السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

وأما الفصل السادس

صفحة 186 - الجزء 1

  فأقدمت عليهم الغز، ووقع حرب شديد، أصيب فيه عدلان، ولم يطمعوا فيه ولا في أصحابه، حتى كان من وصولكم ما أنت به أعلم.

  وأما محمد: فبارك الله له في ذلك المشهد، فأي أسود أعظم إقداماً من هذه الأسود، أو أصبر على مزاحمة الحديد.

  واعلم أرشدك الله: أنكم في مدة الحصار همكم الحرب، والكتب تأتيه بأنا انحزنا إلى المغرب، وأن جندنا قد كسر، وسلطانه قد قتل، وأن جنود الظالمين قد صدرت إليه، فكان كلما صدر إليه كتاب أدرجه، وأمر بضرب البشارة، كل ذلك طمعاً بنيل العدو، ورباطة جأش، وقوة عزم، وإلا فدون ما بلغه يعذر فيه المنهزم.

  هذا مع أن حال بني حاتم ما علمت من إظهار الشقاق في تلك المدة، وما كان من كثير من الهمدانيين من العداوة والبغضة، وأنتم في بحبوحة دارهم، وليس لكم موئل دون الظاهر أو بلاد حمير، فأي سيد ثبت هذا الثبات، فلقد تكلمت بالصدق، ونطقت بالحق، ونحن لك من الشاهدين، ولله من الحامدين، وليس اعتقادك الأخير بمؤثر عن إخراج الصدق عن بابه، لأن في علمنا المكنون: أن المتكلم بالصدق لو نواه كذباً، أو اعتقده كذباً، لم يكن كذباً، وإنما تكون نيته خطأً واعتقاده جهلاً.

  فأما قوله تعالى في المنافقين {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١}⁣[المنافقون: ١].

  فإنما أخبر تعالى عن كذبهم في قولهم نشهد إنك لرسول الله، لأنهم لم يوقعوا الخبر على حق عندهم في الأصل ولا نظر في الدليل، فأخبروا بأنهم قد شهدوا عن علم، ولم يكن عندهم علم، بل بنوا أمرهم على النفاق من أصله، فأخبر الله سبحانه بكذبهم لما قدمنا.