السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[في الحث على الجهاد وذم المتخاذلين]

صفحة 333 - الجزء 1

[في الحث على الجهاد وذم المتخاذلين]

  واعلم أيدك الله: أن الناس في ظلمة طخياء، وفتنة عمياء، ومحنة صماء، لا بلغوا بمعرفتهم منازل عترة المصطفى، عليه وعليهم سلام رب السماء، ولا سَلَّمُوا الأمر إليهم فينجو من العمى، وإلا فقد روينا بالإسناد الموثوق إلى النبي ÷ أنه قال في أهل بيته: «قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا»، فلم يقبلوا من مرشدهم إرشادَه، ولا وافقوا مرادَه، فعلى مَن الجرم فيما ترى؟ وأنت بحمد الله بمعزل من هذا القول؛ لأنك سألت سؤال العلماء، واستكشفت استكشاف الحكماء، وطلبت الرشد من نصابه، والشهد من لصابه، وللذين ظلموا مثل السوء ولله المثل الأعلى.

  الذين تدثروا بجلابيب الجهل، وربضوا في أرباض الفتنة، يتربصون بالمحقين الدوائر، عليهم دائرة السوء، ويبغونهم العثرات، قد ماوتوا أصواتهم من الإخبات، يزعمون أن الدين غسل الثياب، ورحضها من الدسم والتراب، وهم من أمرهم على غير معلوم، قد رفضوا من أُمروا باتباعه، وفصلوا متاعهم عن متاعه، ولم يعلموا أنه أحق الفريقين بالأمن، لكونه من سلالة النبوة، ومعدن الحكمة، وجزء من دهن الزيتونة، وفتيلة من مصباح الزجاجة، ويلزم له من الحق ما لزم لسلفه، وإن أتانا بغير ما نعرفه، فلذلك أردناه لأن يعرفنا من الأحكام الغامضة ما لا يعرفه ناقله مع ما يعرف، ويخفف عنا مؤونة التكليف، في سنام ديننا، وعمود ملتنا، والحق لا ينكر بإنكارنا إياه، كما علمت من حال العالم مع موسى فإن حقه لم يبطله إنكار موسى، مع أنه نبي وكليم الله، فكيف يُبطلُ حقَّ القائم من عترة رسول الله ÷ إنكارُ طاعن، أو سَبُّ لاعن، ويل لهم من يوم لا تقبل فيه شفاعة، ولا تنفع معذرة، تؤتى فيه كل نفس معها سائق وشهيد، سائق يسوقها