السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[في الحث على الجهاد وذم المتخاذلين]

صفحة 334 - الجزء 1

  إلى مقامها، وشهيد يشهد عليها بعملها، لا ينجو من هوله إلا الصادقون، الذين صدقوا الله ما وعدوه وصدقهم ما وعدهم به، وصحة وجوب الاتباع لمن أمرهم باتباعه.

  ما قولك فيمن جاز المفازة بغير دليل، هل له إلى النجاة من سبيل، وهل أعظم منه حسرة إن ترك الدليل مع وجدانه، أو تنكب السبيل مع عرفانه، وإنما نحن في أيام يجب أن نغتنم فيها التعرض لفوت النفوس، وتحسي جرع الصبر، لعلنا أن نلحق بالفائزين، الذين نظروا إلى الدنيا نظر العارفين بحقيقة أمرها، فلم يغتروا بزخاريف مكرها، وأعرضوا عنها إعراض المستبصرين فلم يلتفتوا إليها، ومثلوا الجنة بين أيديهم والنار خلف ظهورهم، فسعوا إلى هذه طلباً، وأمعنوا من هذه هرباً، وخافوا عند النكوص على الأعقاب مواقعتها، فمضوا قدماً على شفار السيوف، كأنها حروف الزرابي وأعطاف المساند، ولقوا الله على عهده، وكان اشتغال أحدهم بعلاج دبر دابته، أو مطارقة نعله، أو تقوية شسعه، أو صقال سيفه، أو تقويم رمحه، لم يردعهم الوعيد، ولا سد في أعيانهم السديد، استبعدوا قريب الدنيا واستقربوا بعيد الآخرة، لكون هذا ماضياً وذلك آتياً، عقولهم كَشفت لهم الغطاء، وألانت ما خشن من الوطاء، وكلوا الأمر في دم الحيض والنفاس إلى ما مضى من الدرس في الفينة الأولى، وتكلموا في دم الجرح الذي لا يرقى، لقد رأيت منهم يوم بيحان رجلاً فيه أربعة أسهم فدع عنك ذكر الحجارة فما تحلحل من مكانه حتى تفارق الجمعان وكلمة الله هي العليا، ولقد أبلى هنالك بقتالهم رجال ذكرُهم عند الله لا ينسى، لولا أن نخشى كراهتهم لذلك لعيناهم بالأسماء، ولكنا عجبنا من صبره، وكذلك فليكن الصابرون، فأما من جال ذكره في كل واد، وتمكن من ملازمة الوساد، فإنه يتسع عليه المسرح والمراد، ومن انتصب للحرب توحد خاطره بأمر الطراد والجلاد، لا ضير في السؤال، حرر سؤالك، وحدد نصالك.