كتاب تحفة الإخوان
  ولا شك أن الطهور مما تعم به البلوى فلا يجوز أن يقبض رسول الله ÷ حتى يبين أحكامه؛ لأنه من أصول الدين المهمة، وقد روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «الطهور شطر الإيمان»(١).
  وقد روينا عنه صلى الله عليه وعلى آله أنه كان يصغي للهرة وضوءه لتلغ منه ويتوضأ بفضله، روينا ذلك عن عائشة رفعته إليه #(٢).
  وكذلك رويناه بالإسناد عن كبشة ابنة كعب أنها صبت لأبي قتادة | ماء يتوضأ به، فجاءت هرة فشربت، فأصغى لها الإناء، فجعلتُ أنظر فقال: (يا ابنة أخي أتعجبين؟)، قال رسول الله صلى الله عليه «إنها ليست بنجس، هي من الطوافين عليكم والطوافات»(٣)، والطوافون هم الأخدام؛ بدلالة قوله تعالى فيهم: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النور: ٥٨]، فقد رأيتم ثبوت طهارتها قياساً على الأخدام، فأنفسهم وإخوانهم المسلمون بطريقة الأولى بالطهارة أولى، أفواههم وأيديهم، وذلك ظاهر لمن كان له عقل رشيد، أو ألقى السمع وهو شهيد.
  ولأنا نعلم بفطر العقول وأولياتها: أن المسلم العاقل المميز أولى بالطهارة من الهرة، ولا سيما مع مشاهدتنا لما تناول من النجاسات، وتأكل من القاذورات، ومع كونها
(١) رواه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد (١/ ٣٠)، وفي أصول الأحكام (١/ ٢١) رقم (٥٧)، ومسلم (١/ ٢٠٣) رقم (٢٢٣)، وأحمد بن حنبل (٨/ ٤٤٨) رقم (٢٢٩٦٥) وابن أبي شيبة (١/ ١٤) وغيرهم.
(٢) رواه في شرح التجريد (١/ ١٥)، وأصول الأحكام (١/ ١٢) رقم (٢٥)، والدارقطني في السنن (١/ ٦٦)، وأبو داوود (١/ ٦٥) وغيرهم.
(٣) رأب الصدع في أمالي أحمد بن عيسى (١/ ١٣٨)، وفي شرح التجريد (١/ ١٥)، وأصول الأحكام (١/ ١١) رقم (٢٤)، ومالك في الموطأ (١/ ٣٦)، والنسائي (١/ ٥٥)، وغيرهم.