مصباح المشكاة في تثبيت الولاة
  وعليك بكتمان سرك من عدوك إلا أن تطلق ما يظهر من سرك على مكيدة لعدوك تنال بها منه غرة وغرضاً، فربما أمن العدو لذلك من السر الفاشي وفيه خيفة، واحتَرَزَ من الأمر المكتوم المتوهم فحصلت بذلك نجاته.
  وإياك أن تعجل بإشكاء الشاكي قبل تعرف قضيته، والكشف عن خبرته، وإن ظهرت فيه أمارة الظلامة، ولاحت لها علامة، فرب متظلم وهو ظالم، وجريح وهو غاشم، وباكٍ وهو آثم.
  واحزم من حاشيتك في تلك الحال، فكم من آمر لك منهم بالوثوب، والاقتحام على الغيوب، إما لحدة طبع، أو رقة نفس، أو قرب قعر، وبُعْدِ صبر، فإن ذلك ربما هلك به كثير من ولاة الأمر، فنسأل الله الثبات في الأمر.
  ولا تحمل نفسك القيام بالأمر عند إحساسك منها الملل والسآمة، وإنما أنت بَشَر، فإذا أحسست ذلك فاستثب أو استمهل حتى يثوب لبك(١)، ويَرِفّ غَرْبُك(٢)، ثم تستأنف الأمر بنشاط وانبساط، فإنك في صِنعة دقيقة أقلُّ شيء يغيرها.
  وإذا فكرت واستشرت في أمر وظهر لك رأي واستصوبته، فإياك أن تبادر إلى العمل به حتى تتفقد وجه ذلك الأمر، ثم لا تعلم أحسن من ذلك الأمر، فرب رأي حسن خلفَه ما هو أحسن، وصواب وراءه ما هو أصوب.
  وعليك بتفقد المصادر كما تتفقد الموارد.
(١) ثاب يثوب: أي رجع.
(٢) ترف: تنقطع وتيبس، والغرب: ماء الفم وحدة الأسنان، والمراد: حتى تهدأ وتسكن وترتاح.