[موعظة بليغة]
  وإذا كان عدوك معروفاً بالعقل فخادعه بالنصيحة؛ لأنها تلائم طبعه، ومنها يدخل عليه إما بالمسالمة وإما بالمصارمة، وإن كان جاهلاً فعليك في حربه بتعمية الأمر وهو أصعبها حرباً إن كان قوياً مطاعاً؛ لأن العاقل يأتيك من مظان الخوف فيحترز منه، والجاهل يأتيك من حيث لا تظن بعقلك انتباه منه فيوقعك على غرة.
  وإياك والاغترار بمدح من يصله برُّك، والاهتمام بذم من يصله ضرك، فما الفريقان بأعلم بك من نفسك، فارجع في ذلك إلى علم نفسك، فإن كنت مسيئاً فاعتب، وإن كنت محسناً فارغب.
  وإياك أن تظهر لعدوك كل عداوتك، ولا لوليك كل محبتك، ولا لرعيتك كل رحمتك، فإن إظهار كل العداوة تحمل عدوك على بلوغ النهاية في عداوتك، وإظهار كل المحبة يحمل وليك على الإدلال عليك بما يوجب فساد المودة، وإظهار الشدة، وإظهار كل الرحمة لرعيتك تحمل التعدي في الإبلاغ إليك فوق ما يقع من جهتك وجهة كفاتك وأعوانك، ولا تفعل أمراً لأنك تحبه، ولا تدعه لأنك تكرهه، فإن الله سبحانه يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}[البقرة: ٢١٦]، ولكن انظر إلى عاقبة ذلك الأمر فإن الشر الذي عاقبته خير خيرٌ من الخير الذي عاقبته شر.
[موعظة بليغة]
  واعزف نفسك عن الدنيا، وعُدَّها من قبيل الموتى، واعتبر بمن مضى من الأمم الماضية، والقرون الخالية، ومَثِّل بمصارعهم مصرعَك، وبمضاجعهم مضجعَك.