السعي المشكور المشتمل على نوادر رسائل الإمام المنصور القسم الأول،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[موعظة بليغة]

صفحة 434 - الجزء 1

  واعلم أن الدنيا دار غرور وترح، كم من راكن إليها قد خدعته، ومغتر بها قد صرعته، وذي تاج فيها قد أكبته لليدين وللفم، لا تندملُ كلومُها، ولا يُبَّلَّ سليمُها، ولا تنقضي همومُها، ولا تنفدُ غمومُها، بينا ترى المرء فيها آمراً ناهياً، إذ صار طللاً عافياً، وعظماً بالياً، فيا قرب قولهم فلان كائن من قولهم فلان كان، فهل بقيت لنا موعظة لم نعلمها فنستعلمها من الواعظين، أو بينة لم نفهمها فنستوردها من المستحفظين، أو لم نشاهد الموت ينقصنا من أطرافنا، والضعف يسري في مشاشنا وأعطافنا، نتوفى في منامنا كل يوم وليلة مرتين وأكثر، ثم نعاد وننشر، فنعمل في خلاف ما أمرنا به فوق ما كنا نعمل، فيا أيها الآمر وهو المأمور، والقاهر وهو المقهور، ارض لربك من نفسك - وأنت عبده المربوب - بما ترضى به لنفسك من صاحبك المصحوب، أفتحب أن يعصيك أحد من رعيتك، أو يقصر خدمُك في نصيحتك، فكما تحب أن يفعل لك من تحت يدك بتمكين ربك، افعله لمن أنت تحت يده حقاً، ومن يملكك ملكاً رقاً، ومَثِّل عند قدرتك عليهم قدرتَه عليك، ولا تغتر بقدرة هي من عطاياها لمجددة التي وكل بنكثها الأيام، وسطوة يقتطعها الحِمام.

  واعلم أنك في مضاجع الموتى، ومصارع الهلكى، وسوف تلحقهم اليوم أو غداً، فتفرد بعملك، فإن كان صالحاً نجوت مع الناجين، وإن كان فاحشاً هلكت مع الهالكين.

  واعلم أني ألقيت إليك الحجة، وأوضحت لك المحجة، وفسخت هذا الأمر من عنقي إلى عنقك وأعناق أصحابك، فإن ائتمرتم بأمري، واهتديتم بهديي نجوتُ ونجوتم، وإن تنكبتم المنهاج الأعظم، وجاوزتم السبيل الأقوم، نجوتُ وهلكتم، قال الله عز من قائل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}⁣[آل عمران: ١٦١]، وقال سبحانه: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}⁣[المائدة: ١٠٥].