الفقه القرآني،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الوضوء

صفحة 16 - الجزء 1

  ٢ - طهارةٌ فطريةٌ، وهي الطهارة من البول والعَذِرة والصَّديد ونحوها مما تشمئز منه الفطرة وتنفر عنه، وتسارع إلى إزالتها وتنظيفها من البدن والثياب، وقد فطر الله تعالى الناس على هذا، بل وكثير من الحيوانات، فلا تكاد ترى أحداً يُخِلُّ بذلك إِلَّا من كان مسلوب العقل تماماً قد استحكم فيه الجنون واستولى عليه.

  فالآية إنما ذكرت النوع الأول⁣(⁣١) الذي لا تهتدي إليه العقول، ولم تذكر النوع الثاني؛ اكتفاءً بما فطر الله عليه العقول، ومن هنا جاء في الحديث: «عشر من الفطرة ... وذكر منها انتقاص الماء، وهو الاستنجاء.

  وَيَشهدُ لما ذكرنا قولُه تعالى في أَهلِ قباء: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ١٠٨}⁣[التوبة]، فقال النبي ÷ ما معناه: «إن الله قد أثنى عليكم يا أهل قباء فما تصنعون؟ قالوا: نُتْبع الحجارة الماء، فقال ÷: هو ذلكم فعليكموه».

  فَصنيعُ أهل قباء من إزالتهم لأثر البول والغائط بالحجارة والماء لَمْ يكنْ صادراً إلا عن مُقتضى الفطرة، لهذا سألهم النبي ÷ عن السبب الذي مدحهم الله تعالى من أجله، وأنه يحب فاعله.

  فإن قلت: إِذَا كَانَ الأمرُ كذلك فَإنهم يَستحقُّون الذم والتقريع؛ لأنهم شَرَعُوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.

  قلنا: ليس الأمر كذلك؛ فإن الذي تَقْضِي به الفطرةُ ينبغِي أن يكونَ ديناً يحب الله مَن يدين به، غير أن هذا فيما سكت عنه الشارع، أمَّا ما ذكر الشارع فيه حكماً فَالحكمُ حكمه.


(١) أي: الطهارة الشرعية.