الفقه القرآني،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

قتال أهل البغي

صفحة 183 - الجزء 1

  وعليه فمن فَرَّ من أهل البغي إلى غير فئة فإن فراره رجوع عن البغي، وبناءً عليه فلا يجوز قتله.

  ومن جرح من أهل البغي جرحاً يمنعه من البغي في الحال فلا يقتل؛ لأن جرحه ذلك في حكم الرجوع عن البغي، وهذا إذا لم تكن له فئة يرجع إليها. وهكذا صنع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حربه مع أهل الجمل.

  أما إذا فر الباغي عن المعركة وكان له فئة فإنه يقتل؛ وذلك أن فراره ليس رجوعاً عن البغي، ولا يعصم دمه إلا الرجوع عن البغي.

  فإن جرح الباغي جرحاً يمنعه عن القتال في الحال وله فئة يرجع إليها فإن جرحه لا يعصمه من القتل، فيقتل؛ وذلك أنه قد يداوي جرحه فيعود للبغي ثانية. وهكذا فعل أمير المؤمنين # في حربه مع أهل صفين.

  هذا، والمعلوم أنه لا يجوز سبي نساء المسلمين وذرياتهم، وتغنم أرضهم وديارهم. ولم يذكر في هذه الآية إلا قتل البغاة دون تغنم نساءهم وذرياتهم وأرضهم وديارهم؛ فيجب البقاء على الأصل وهو الحرمة. وهكذا صنع أمير المؤمنين في حربه مع أهل الجمل، وهذا محل وفاق، والله أعلم.

  ويمكن أن يؤخذ من قوله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أن البغاة إذا رجعوا عن البغي لم يجز قتلهم، وبناءً عليه فلا يضمنون ما جنوا على أهل الحق في حال بغيهم؛ فلا يقتص منهم. وهكذا صنع أمير المؤمنين # مع أهل الجمل.

  وقد يؤخذ من الآية وجوب قتال من عليه حق فامتنع من أدائه.

  كما يؤخذ من الآية أن الواجب هو تقديم الصلح بين الفئتين المتقاتلتين، وذلك بدعوتهم إلى التقوى، وكف الأيدي عن العدوان، ورد المظالم، والتحذير من عاقبة العدوان، وتخويفهم بأن المؤمنين سوف يكونون حرباً على الباغي والمعتدي، فإن أجابوا إلى ذلك فبها ونعمت، وإلا وجب قتال الباغي من الفئتين حتى يرجع إلى أمر الله، ويكف عن عدوانه وبغيه.