الفقه القرآني،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فائدة حول القرآن وحديث العرض

صفحة 211 - الجزء 1

  فالقسم الأول لا يحتاج إلى العرض للاتفاق على حكمه، والقسم الثاني كذلك لا يحتاج إلى العرض؛ لبنائه على التخفيف والتسهيل، وإن عرضناه نجد أن القرآن يقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ٦٤}⁣[مريم]، ويقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، ويقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}⁣[التوبة ١١٥]، فلما لم يوجد البيان في القرآن ولا في الإجماع أو الشهرة أو التلقي بالقبول تبين لنا أن الأمر مبني - كما قلنا - على التيسير والتخفيف.

  وأما القسم الثالث فكذلك لا يحتاج إلى العرض؛ لعدم التشريع فيه.

  وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}⁣[النساء ٥٩]، يشهد لحديث العرض على الكتاب.

  ويؤخذ منه أنه لا يحتاج إلى العرض إلا ما وقع فيه النزاع والاختلاف، والمتفق عليه لا نزاع فيه؛ فلا حاجة لعرضه، وكذلك المسائل الاجتهادية لا ينبغي أن تكون محل نزاع عند جميع العلماء.

  وبعد، فإن المسألة وإن كانت مبنية على التخفيف، وكل مجتهد فيها مصيب - فإنه لا يجوز تعمد مخالفة أهل البيت $؛ لأنه قد دل الدليل القاطع أنهم أهل الحق، وأن الحق معهم، فيجب على المجتهد والناظر في الأدلة والأمارات أن لا يتخطى باجتهاده اجتهادات أهل البيت $، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}⁣[الحجرات ١]، فالمتعمد باجتهاده مخالفة أهل البيت - وإن كان في أمرٍ يسير - معاند ومشاقق، لا من أجل المسألة الاجتهادية، بل لأن الله تعالى قد حكم بحكمه لأهل البيت بالهدى والرشاد، وأنهم أهل الحق وأن الحق معهم، وبناءً على ذلك فلا يجوز الخروج من دائرة فقههم ومعارفهم لا في صغير ولا كبير، ولا يجوز الالتفات إلى ما خالف ما استقر عندهم من ذلك.