[ذكر وجوه إعجاز القرآن الكريم]
  العلم أن أعرابياً سمع رجلاً يقرأ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤]، فسجد فقال: سجدت لفصاحة الكلام.
  وسمع آخر رجلاً يقرأ: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}[يوسف: ٨٠]، فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.
  وحدثنا بعض أهل العلم بإسناد له رفعه إلى عالم من علماء اللغة أنه رأى في بعض طوافه بالبادية جارية خماسية فصيحة فأعجبته فصاحتها وبراعتها فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك؛ فقالت له: أوَيعد هذا فصاحة بعد قول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ٧}[القصص]، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
  والثالث: أن وجه إعجازه هو الوصف الذي نُقِضت به العادة حتى صار خارجاً عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر والرجزوالهرج ولا يدخل في شيء منها ولا يختلط بها مع كون ألفاظه وحروفه من جنس كلامهم ومستعملة في نظمهم ونثرهم.
  والرابع: أن قارئه لا يكل وسامعه لا يمل ولا يزيده على كثرة تلاوته إلا حلاوة في النفس وميلاً إلى القلوب. وغيره من الكلام وإن كان مُسْتَحْلى النظم مستحسن النثر يمل إذا أعيد ويستثقل إذا ردد.
  والخامس: أن وجه إعجازه هو ما فيه من الأخبار مما علموه أو لم يعلموه فإذا سألوا عنه عرفوا صحته وتحققوا صدقه كالذي حكاه في(١) قصة أهل الكهف وموسى والخضر وذي القرنين وقصص الأنبياء مع أممهم.
(١) نخ (هـ): كالذي حكى من قصة ... إلخ.