البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة النساء]

صفحة 162 - الجزء 1

[سورة النساء]

  سورة النساء نزلت بمكة قال الإمام الناصر لدين الله ~: سورة النساء نزلت بمكة في عثمان بن طلحة حين أراد رسول الله ÷ أن يأخذ مفاتيح الكعبة ويسلمها إلى عمه العباس فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.

  

  قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم وفي ذلك نعمة لأنه أقرب إلى التعاطف بينهم {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي بقية طينته {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} ومعنى قوله: تساءلون به هو قول الرجل أسألك بالله، والرحم أي صلوا الأرحام ولا تقطعوها لأن الله قصد بأول السورة حين أخبرهم أنهم من نفس واحدة أن يتواصلوا ولا يتقاطعوا {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ١} أي حفيظاً عليماً.

  قوله تعالى: {وءَاتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} أي الحرام بالحلال والزائف بالجيد والمهزول بالسمين ويقول درهم بدرهم وشاة بشاة، وقيل إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون الصغار والنساء وكان الكبير يأخذ المال وكان يتبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب ونصيب غيره خبيث له إذا أخذه.

  {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي مع أموالكم وهو أن تخلطوها بأموالهم ليصير في ذممهم ليأكلوا ربحها {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ٢} والحوب الإثم يقال: حاب الرجل إذا أثم قيل: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكوا ذلك إلى النبي ÷ فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}⁣[البقرة: ٢٢٠]، فخالطوهم.