البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة تبت مكية

صفحة 919 - الجزء 2

سورة تبت مكية

  : روينا في سبب نزول هذه السورة في أبي لهب قولان أحدهما أن أبا لهب أتى النبي ÷ فقال: ما أعطى إذا آمنت بك يا محمد؟ قال: «كما يعطى المسلمون» قال: ما لي عليهم فضل؟ قال: «وأي شيء تبتغي؟» قال: تباً لهذا من دين وأن أكون أنا وهؤلاء سواء فأنزل الله فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١}.

  والثاني: أنه لما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ٢١٤}⁣[الشعراء]، أتى رسول الله ÷ الصفا فصعد عليه ثم نادى بأصحابه فاجتمع إليه فقال: «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لكم سائر اليوم أما دعوتمونا إلا لهذا؛ فأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١} أي خابت وخسرت قال الشاعر:

  يواعدني قومي يبتغون مهجتي ... لحارثة تباً لهم بعدها تبا

  أي خسرتا وقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١} أي عمله ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ}⁣[الحج: ١٠]، أي بما قدمت، والعرب تنسب الفعل إلى اليدين وتريد بهما صاحبهما وعمله ونسب الفعل إلى اليدين دون سائر الجوارح لأن أكثر ما يقع الفعل بهما.

  وفي ذكر الله سبحانه له بكنيته دون اسمه ثلاثة أوجه أحدها: لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه. والثاني: كان مسمى بصنم كان لهم قيل إنه عبد العزى فعدل عنه. والثالث: أن الاسم أشرف من الكنية لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره والإشارة إليه بنفسه ولذلك دعا الله أنبياءه $ بأسمائهم.

  و {وَتَبَّ} الثانية تأكيداً للأولة ويحتمل أن يكون التأكيد على غير التأكيد: وقد تب.

  {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ٢} يعني في منع النار والعقاب عنه يوم القيامة لا يغنيه ماله وولده وما كسب المراد به البنون لما روينا عن آبائنا $ عن رسول الله ÷ أنه قال: «أولادكم من كسبكم».