البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة المنافقين مدنية

صفحة 800 - الجزء 2

سورة المنافقين مدنية

  : قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} قال الإمام الناصر لدين الله ~: المنافق هو الذي يصف الإسلام ولا يعمل به وهو اليوم شر منه على عهد رسول الله ÷ لأنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} أي نحلف فعبر عن الحلف بالشهادة لأن في كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لأمر معين ومنه قول قيس بن ذريح:

  وأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا

  وسبب نزول هذه الآية ما روينا أن رسول الله ÷ كان في غزاة ومعه عبدالله بن أبي سلول وكان عبدالله بن أبي سلول يصنع لرسول الله ÷ كل يوم طعاماً ومضى بعض أصحاب النبي ÷ من العرب فاستقى من زكي ماء في حوض عمله من أحجار فجاء رجل من أصحاب عبدالله بن أبي سلول بناقة ليسقيها من ذلك الماء فمنعه الأعرابي فاقتتلا فشجه الأعرابي فأتى الرجل إلى عبدالله ودمه يسيل على وجهه فحدثه فنافق فقال: ما لهم رد الله أمرهم إلى جعال وقال: لا تأتون محمداً بالطعام حتى يتفرق منه الأعراب؛ فسمع زيد بن أرقم كلامه وكان حدثاً فأخبر عمه فأتى عمه رسول الله - ÷ فحدثه فبعث إلى عبدالله بن أبي سلول فأتى رسول الله - ÷ فحلف وقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما قلت من هذا شيئاً فصدقه فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١} أي أن نفاق من نافقك مع علم الله بأنك رسوله لا يضرك وأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن المنافقين لكاذبون في أيمانهم.

  {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} والجنة الغطاء المانع من الأذى ومنه قول أعشى همدان:

  إذا أنت لم ترضى لعرضك جُنّة ... من العار سار الذم كل مسير

  وإنما جعلوا الأيمان جنة ليحقنوا بها دماءهم وأموالهم {فَصَدُّوا عَنْ