البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الطلاق مدنية

صفحة 806 - الجزء 2

سورة الطلاق مدنية

  : قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} في طهر من غير جماع وهو طلاق السنة لأن من السنة أن تطلق في كل قرء تطليقة واحدة وإن طلقها على غير الترتيب جاز وكذلك الطلاق في طهر قد وقع فيه الطلاق جاز ولم يكن بطلاق السنة فأما طلاق الحامل وغير المدخول بها والصغيرة والآيسة والمختلعة فلا سنة فيه ولا بدعة.

  {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} يعني في المدخول بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها وله أن يراجعها قبل انقضاء عدتها الثلاث، فإن انقضت عدتها وكان التطليق واحداً أو ثلاثاً رجع إليها بمهر مستأنف ونكاح جديد {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} يعني في نسائكم المطلقات {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} يعني في زمان عدتهن لوجوب السكنى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} حتى تخرجوهن من منازلهن {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي شروطه {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي من يخالف حدود الله فقد ظلم نفسه لأنه استحق بخلافه العذاب {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ١} يعني رجعة قبل وقوع الطلاق.

  قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} يعني قاربن انقضاء عدتهن {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} عنى بالإمساك الرجعة والمعروف أن لا يقصد الإضرار بها في المراجعة تطويلاً لعدتها {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وهو أن لا يراجعها حتى تنقضي عدتها {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} يعني على المراجعة في العدة فإن راجع من غير الشهادة صحت {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ٢} أي ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة، وهذه الآية نزلت في مالك الأشجعي وذلك أنه أسر ابنه عوف فأتى رسول الله ÷ فشكى ذلك إليه مع ضر أصابه فأمره أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فأفلت ابنه من الأسر وركب ناقة للقوم ومر في طريقه بسرح لهم فاستاقه ثم قدم عوف فقدم بباب أبيه يناديه وقد ملأ القباب إبلاً فلما رآه أتى رسول الله ÷ وأخبره وسأله عن الإبل فقال: «أصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً بمالك» فنزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ٢ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.