البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة البلد مكية

صفحة 892 - الجزء 2

سورة البلد مكية

  : قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ١ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ٢} أي حل لك ما صنعته في هذا البلد من قتل أو غيره ويوم دخول مكة يوم الفتح والبلد مكة {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ٣} يعني آدم # {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ٤} فيه تأويلان أحدهما من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يتكبد في الخلق مأخوذ من كبد الدم وهو غلظه ومنه أخذ اسم الكبد لأنه دم قد غلظ، والثاني: في شدة لأنها حملته كرهاً ووضعته كرهاً وأرضعته كرهاً ثم بعد ذلك يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة ومنه قول لبيد:

  يا عين هلا بكيت أربد ... إذ قمنا وقام الخصوم في كبد

  قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ٥} يعني أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه الله جل وعلا أن يبعثه بعد الموت {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ٦} يعني كثيراً مجتمعاً بعضه على بعض ومنه سمي اللبد لاجتماعه وتلبيد بعضه على بعض وهذا القائل أبو الأسود بن الجمحي أنفق مالاً كثيراً في عداوة رسول الله ÷ والصد عن سبيل الله {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ٧} من الناس فيما أنفقه حتى يكذب فيما أنفقه.

  قوله تعالى: {... وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠} يعني سبيل الخير وسبيل الشر وطريق الهدى والضلال، والنجد الطريق المرتفعة {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ١١} والمراد بالعقبة طريق النجاة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ١٢} وهذا خطاب للنبي ÷ ليعلمه اقتحام العقبة {فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣} عنى بها من الرق وسمي المرقوق رقبة لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته وسمى عتقها فكاً كفك الأسير من النار قال حسان بن ثابت:

  كم من أسير فككناه بلا ثمن ... وجز ناصية كنا مواليها

  ثم قال: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤} أي مجاعة لقحط أو غلاء {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ١٥} يعني ذا قرابة {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ١٦} هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره.

  قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} يعني أنه لا يقتحم العقبة من