البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة ن مكية وبعضها مدنية

صفحة 821 - الجزء 2

  وقد يستعمل في انكشاف الغطاء كما قال الشاعر:

  كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من السر الصراح

  {... فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني بهذا القرآن {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤} أي سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون ومعنى الاستدراج هو ما روينا عن زيد بن علي عن آبائه $ أنه قال: كم من مستدرج بالإحسان إليه وكم من مفتون بالثناء عليه وكم من مغرور بالستر عليه. والاستدراج النقل من حال إلى حال كالتدرج ومنه قيل درجة وهي منزلة بعد أخرى.

  قوله تعالى: {... فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} يعني أن الله تعالى يعزي نبيه ويأمره بالصبر وأن لا يعجل كما عجل صاحب الحوت وهو يونس بن متى # {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ٤٨} أما نداؤه # فهو قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء]، والمكظوم المغموم المكروب {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} والنعمة قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء]، {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} أي لألقي في الفضاء {وَهُوَ مَذْمُومٌ ٤٩} يعني ملوم بعجلته في مغاضبته.

  قوله تعالى: {.. وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} أي ليصرعونك {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} يعني القرآن {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ٥١ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ٥٢} أي شرف للعالمين كما قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}⁣[الزخرف: ٤٤]، وقد مضى الكلام في العالمين.