الباب الخامس: في تقسيم الفعل إلى مؤكد وغير مؤكد، وفيه فصلان - الفصل الأول: في بيان ما يجب توكيده منه، وما يجوز توكيده، وما لا يجوز توكيده
  فى نحو قوله تعالى (١٤ - ١٢). {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا} والثانية نون ساكنة، مثل الواقعة فى قول النابغة الجعدى.
  فمن يك لم يثأر بأعراض قومه ... فإنّى - وربّ الرّاقصات - لأثأرا
  وقد اجتمعتا فى قوله تعالت كلمته (١٢ - ٣٢): {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
  وليس كلّ فعل يجوز تأكيده، بل الأفعال فى جواز التأكيد وعدمه على ثلاثة أنواع:
  النوع الأول: ما لا يجوز تأكيده أصلا، وهو الماضى؛ لأن معناه لا يتفق مع ما تدل عليه النون من الاستقبال.
  النوع الثانى: ما يجوز تأكيده دائما، وهو الأمر، وذلك لأنه للاستقبال البتة.
  النوع الثالث: ما يجوز تأكيده أحيانا، ولا يجوز تأكيده أحيانا أخرى، وهو المضارع، والأحيان التى يجوز فيها تأكيده هى(١).
  أولا: أن يقع شرطا بعد «إن» الشرطية المدغمة فى «ما» الزائدة المؤكدة، نحو «إما تجتهدنّ فأبشر بحسن النتيجة»، وقال الله تعالى (٨ - ٥٨): {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً} وقال (١٩ - ٢٦): {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً} وقال (٨ - ٤٧): {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} وقال (٧ - ٢٠٠): {إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ}.
  ثانيا: أن يكون واقعا بعد أداة طلب، نحو «لتجتهدنّ، ولا تغفلنّ، وهل تفعلنّ الخير؟ وليتك تبصرنّ العواقب، وازرع المعروف لعلّك تجنينّ ثوابه، وألا تقبلنّ على ما ينفعك، وهلّا تعودنّ صديقك المريض»، قال الله تعالى (١٤ - ٤٢): {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً}.
(١) الجامع لهذه المسائل كلها دلالته على الاستقبال فيها، وإنما يقصد العلماء ببيانها تفصيل مواضع دلالته على الاستقبال؛ لأنه لا يستطيع معرفتها كل أحد.