[58] وقال # إلى خليفة بغداد: [السريع/44]
  ومَن غَدَى هَارُونَ بِالنَّصِ مَا اسْـ ... ـتَثنَى سِوَى أنْ لَيسَ بَعدِي نَبِي(١)؟
  وفِي حُنَينٍ مَنْ فَثَا حَمْيَهَا ... وحَسَّ بِالصَّارِمِ جَيشَ الغَوِيّ(٢)؟
  ويوم بَدْرٍ مَن حَمَى سِربَهُ ... بِالسَّيفِ والنَّاسُ حُيَارَى جُثِيّ(٣)؟
(١) هذا البيت إشارة إلى حديث المنزلة المتواتر، الذي رواه الموالف والمخالف، وقاله النبي ÷ في عدة مقامات، منها غزوة تبوك، كما روي عن أنس بن مالك قال: لمّا خرج رسول اللَّه ÷ إلى غزوة تبوك استخلف عليّاً # على المدينة وما هناك، فقال المنافقون عند ذلك: إن محمداً قد شنئ ابن عمّه وملّه، فبلغ ذلك عليّاً # فشدّ رحله وخرج من ساعته، فهبط جبريل # على رسول اللَّه ÷ يخبره بقول المنافقين في عليّ # وخروج عليّ # للّحاق به، فأمر رسول اللَّه ÷ منادياً فنادى بالتعريس في مكانهم قال: ففعلوا، ثمّ جاءُوا إليه يسألونه عن نزوله في غير وقت التعريس، فأخبرهم بما أتاه جبريل # عن اللَّه ø وأخبرهم بأنّ اللَّه ø أمره بأن يستخلف عليّاً بالمدينة، قال: فركب قوم من أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله ليتلقّوه فما راموا مواضعهم إلا وقد طلع علّي # مقبلاً قال: فتلقّاه رسول اللَّه ÷ ماشياً وتبعه الناس فعانقه رجل رجل ثمّ جلس رسول اللَّه ÷ وحوله الناس، فقال رسول اللَّه ÷ لعلّي: ما أقبل بك إلينا يا ابن أبي طالب؟ قال: فقصّ عليه القصة من قول المنافقين، فقال رسول اللَّه ÷: «يا عليّ ما خلّفتك إلاّ بأمر اللَّه، وما كان يصلح لما هناك غيري وغيرك، أما ترضى يا ابن أبي طالب أن أكون استخلفتك كما استخلف موسى هارون؟ أما واللَّه إنّك مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبّي بعدي»، فلمّا قفل رسول اللَّه ÷ قسم للناس فدفع إلى علىّ سهمين، فأنكر ذلك قوم فقال رسول اللَّه ﷺ: «أيّها الناس هل أحد أصدق منّي؟». قالوا: لا يا رسول اللَّه. قال: «أيّها الناس أما رأيتم صاحب الفرس الأبلق أمام عسكرنا في الميمنة مرّة و الميسرة مرّة؟». قالوا: رأيناه يا رسول اللَّه فماذا؟ قال: «ذاك جبريل # قال لي: يا محمد إن لي سهماً بما فتح اللَّه عليك وقد جعلته لابن عمّك علي بن أبي طالب # فسلّمه إليه». قال أنس: فكنت فيمن بشّر عليّاً # بقول رسول اللَّه ÷.
(٢) فثأ حميها: أي سكن غليانها وشدتها. والحس: القتل. ويوم حنين، المراد به غزوة حنين من الغزوات المشهورة، أبلى فيها علي # بلاء حسناً، ومواقفه عظيمة، كما روي عن المنتجع بن قارظ النهدي أنّ أباه حدثه - وكان جاهليّاً - قال: شهدت هوازن يوم هوازن - وكنت امرءاً ندباً يسوّدني قومي - ولقينا رسول اللَّه ÷ فرأيت في عسكره رجلاً لا يلقاه قرن إلاّ دهدهه؟ ولا يبرز له شجاع إلّا أرداه، فصمد له وبرز اليه الجلموز بن قريع؟ - وكان واللَّه ما علمته حوشي القلب، شديد الضرب - فأهوى له الرجل بسيفه فاجتلى قحف رأسه على أمّ دماغه، فحدت عنه وجعلت أرمقه وهو لا يقصد ركاكة ولا يؤمّ إلاّ صناديد الرجال، لا يدنو من رجل إلّا قتله ولا جمع إلّا فرقه، وكانت الدائرة لمحمد ÷ علينا، فأسلمت بعد ذلك فتعرّفت الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب #، وتاللَّه لقد رأيت زنده فخلته أربع أصابع وإنّ أول خنصره كآخر مفصل من مرفقه.
(٣) السَّرب بالفتح: الطريق، وما رعي من المال، وبالكسر: القطيع من البقر والظباء والقطى. والجثي جمع جاث: وهو الذي يبرك على ركبتيه، ويوم بدر من الأيام المشهورة، وفيه زوة بدر الكبرى المعلومة، التي أعز الله فيها الإسلام، وأذل الشرك وقتل أهله الطغام وكان لعلي # فيه المقامات المشكورة، والمساعي الحميدة المذكورة، من قتل الشجعان، ومنازلة الأقران، فمنها: ما روي عن قيس بن عباد قال: سمعت أباذرّ يقسم قسماً أنّ هذه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نزلت في الذين برزوا يوم بدر وهم: عليّ وحمزة وعبيدة بن الحارث، وفي عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد، لما برزوا يوم بدر وطلبوا البراز، فخرج اليهم عوذ ومعاذ وعائذ بنو عفراء، فقالوا: من أنتم؟ فأخبروهم، فقالوا: أنتم قوم كرام ولكنّا نريد أكفاءنا من قريش، ثم قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فخرج اليهم عليّ وحمزة وعبيدة بن الحارث، فما لبث أن قتل عليٌّ الوليدَ، وحمزةُ عتبة، واختلفت الطعنة بين عبيدة وشيبة، فأعانوه عليه فقتلوه، ورجع عبيدة مجروحاً، وكان قطع رجله شيبة.
وروي أن أباجهل قال لابن مسعود ¥ - في مخاطبة جرت بينهم -: من الغلام النقيّ العارضين، الذي كان يحذر وراءه كما يحذر أمامه؟ قال: أولا تعرفه؟ هو عليّ بن أبي طالب. فقال: قطع الرحم، وسفك الدماء، وقتل الصناديد، وما ودع ولا ترك للصلح موضعاً.
وقتل أمير المؤمنين في ذلك اليوم جماعة منهم من عبد شمس: الوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد بن العاص، وعامر بن عبداللَّه حليف لهم، ومن بني نوفل: طعيمة بن عديّ بن نوفل، ومن بني أسد: نوفل بن خويلد بن راشد، وهو ابن العدوية، وكان من شياطين قريش، وقتل زمعة بن الأسود، ومن بني عبدالدار: ابن قصيّ بن النضر بن الحارث بن كلدة وغيرهم، وقد روي أن علياً # قتل نصف القتلى يوم بدر.