[58] وقال # إلى خليفة بغداد: [السريع/44]
  وخَيبَرٍ مَنْ نَالَ مِنْ مَرحَبٍ ... مَا لَمْ يَكُنْ يَطمَعُ فِيهِ الكَمِيّ(١)؟
  وَمَن دَحَى بِالبَابِ مِنْ خَيبَرٍ ... فَعَزَّ مَن يُرجِعُهُ إذْ دُحِي(٢)؟
(١) الكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المتغطي به.
(٢) دحى: رمى، والدحو: الرمي بالحجارة. وعز الشيء: إذا لم يقدر عليه. ويرجعه: أي يرده ويعيده.
وفي هذين البيتين إشارة إلى فتح خيبر، الذي وعد الله تعالى به رسوله - ÷ ـ، وشيد ذكره في الآيات؛ وقد أظهر الله تعالى فيه لسيد المرسلين ÷ المعجزات النيرات، وأكرم به سيد الوصيين (ع) بغاية الكرامات البينات، وهو من المتواترات التي أطبق على نقلها أرباب الروايات؛ وذلك أن رسول الله ÷، لما نزل بعسكر الإسلام، لمحاصرة خيبر، وقف المسلمون عدة أيام ينازلونهم فلا يفتح عليهم، وكان الوصي ~ في تلك المدة قد أصابه الرمد، فأخذ أبو بكر اللواء، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه؛ ثم أخذها عمر كذلك؛ ورسول الله ÷ قد أصابه ألم الشقيقة، فاشتد الخطب، وعظم الأمر، فخرج رسول الله ÷ على المسلمين، وقال: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه» فتطاول لها الناس؛ لما يعلمون من تأثر أمير المؤمنين (ع) وكان فيمن تطاول لها أبو بكر، وعمر، وفي كثير من الروايات: فاستشرف لها كبار الصحابة كل يريدها لنفسه. وفي بعضها: فأمسى المسلمون يدوكون ليلتهم.
فأرسل رسول الله ÷ إلى أمير المؤمنين (ع)؛ فقالوا: يا رسول الله، مايبصر. قال: «ائتوني به»، فتفل في عينيه وقال: «اللهم اكفه الحر، والبرد»، فما ضره بعد ذلك حر ولا برد، ولا ألم العيون؛ وأعطاه الراية، فنهض معه المسلمون، ولقي أهل خيبر، وخرج مرحب يرتجز بين أيديهم ويقول:
قد علمَتْ خيبرُ أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
الأبيات، فأجابه الوصي (ع):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات شديد قسورة
الأبيات، وضربه ضربة سمع أهل العسكر صوت ضربته، وما تتام الناس حتى فتح لأولهم واقتلع الباب وحمله، حتى صعد المسلمون عليه، وما حمله بعد ذلك دون أربعين.