البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة المائدة]

صفحة 228 - الجزء 1

  وقد أسندتم الوصية إليهما {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} وهذا خطاب للورثة أي تستوقفونهما للأيمان من بعد الصلاة أراد به صلاة العصر {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} أي فيحلفان إن ارتبتم بهما يعني الوصيين وقوله: {لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} أي لا نأخذ عليه رشوة ولا نعتاض عليه بحقير {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي لا نميل مع ذي القربى في قول الزور والشهادة بغير حق {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي غيباً في أداء ما أوجبه الله علينا.

  قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} بأن كذبا وخانا فعبر عن الكذب والخيانة بالإثم بحدوثه عنهما، واللذان عثر عليهما هما الوصيان {فَآخَرَانِ} أعني من الورثة {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} في اليمين حتى تظهر لهما الخيانة {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} أي الأوليان بالشهادة من المسلمين، وسبب نزول هذه الآية أن ابن بيدا وتميم الداري وابن أبي مارية وكان ابن بيدا وابن أبي مارية نصرانيين وكان تميماً الداري مسلماً فخرجوا في سفر وكان مع تميم الداري خُرْجٌ له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع فلما فصلوا من المدينة اعتل تميم الداري علة شديدة فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بيدا وابن أبي مارية وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته؛ فقدما إلى المدينة وقد أخذا من المتاع الآنيةوالقلادة وأوصلا سائر ذلك فافتقد القوم الآنية والقلادة فقالوا: هل مرض صاحبنا مرضاً طويلاً أنفق فيه نفقة كبيرة؟ قالا: لا ما مرض إلا أياماً قليلة، فقالوا: هل سرق منه شيء في سفره هذا؟ قالا: لا، قالوا: هل اتخذ تجارة خسر فيها؟ قالا: لا، قالوا: فقد فقدنا أفضل شيء كان معه آنية منقوشة مكللة بالجوهر وقلادة، فقالا: لا ما دفعه إلينا قد أديناه إليكم.

  فقدموهما إلى رسول الله ÷ فأوجب عليهما اليمين