البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة المائدة]

صفحة 230 - الجزء 1

  علموه ولكنهم فوضوا أمرهم إلى من هو أعلم ببواطن أمورهم وظواهرهم منهم لجواز النسيان والغفلة على الرسول ÷ لما يرون من أهوال ذلك اليوم.

  فإن قيل: فلم سألهم وهو أعلم بأعمالهم منهم؟ فعن هذا جوابان أحدهما أنه إنما سألهم ليعلمهم ما لم يعلموا من كفر أممهم وتغييرهم بعدهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم، والثاني: أراد أن يفضح أهل المعاصي والكفر بإشهادهم عليهم.

  قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} وإنما ذكر الله سبحانه نعمته عليه وعلى والدته وإن لم يجر لهما ذكر لأمرين أحدهما: ليتلوا على الأمم ما خص به من الكرامة وصيره به من علو المنزلة، والثاني: ليؤكد به حجته ويرغم جاحده.

  ثم أخذ في ترتيب نعمه فقال: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} يعني قويتك مأخوذ من الأيد وهو القوة، وروح القدس هو جبريل # وتأييده له من وجهين أحدهما تقويته له على أمر دينه، والثاني: معونته على رفع ظلم اليهود والكافرين {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} أما كلامه في المهد فهو معجز خصه الله به وكلامه لهم في المهد إنما اختص بتعريفه حال نبوته وقوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ٣١}⁣[مريم]، وكلامه لهم كهلاً دعاءهم إلى ما أمرهم به من الصلاة والزكاة وذلك حين صار ابن ثلاثين سنة.

  {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ} أي الكتب وإن أراد به الجنس ثم قال: {وَالْحِكْمَةَ} أي العلم بما في تلك الكتب من جميع ما يحتاج إليه من دينه ودنياه ثم قال: {وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} يريد تأويلهما وتلاوتهما.