البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة المائدة]

صفحة 231 - الجزء 1

  ثم قال: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} يعني بقوله: تخلق أي تفعل وتصور صورة الطير من الطين والخلق فعل ثاني على سبيل القصد والتقدير من غير شهوة ولا مجازفة، وقوله: {فَتَنْفُخُ فِيهَا} يعني الروح والروح جسم لطيف والمتولي لذلك المسيح وقوله: {فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} يعني إن الله تعالى الذي يقلبها حيواناً بعد نفخ الروح فيها فإذنه أمره أن يصير بأمر الله لا بفعل المسيح {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} أي تدعوني أن أبرئ الأكمه والأبرص فأجيب دعاءك وأبرئ فهو فعل الله تعالى نسبه إلى المسيح مجازاً لأنه فعله لأجل دعائه.

  ثم قال: {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى} يعني واذكر نعمتي عليك إذ تدعوني أن أحيي الموتى فأجيب دعاءك حتى أخرجهم من القبور أحياء ونسب ذلك إليه توسعاً أيضاً لأجل دعائه والذي أحيي من الموتى رجلين وامرأة.

  قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} أي ألهمتهم كما قال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}⁣[النحل: ٦٨]، أي ألهمهم ويجوز أن يكون الوحي مما عاينوا وشاهدوا من الآيات والدلالات الظاهرة فجرى ذلك مجرى الوحي إليهم أن يؤمنوا أي وربك وفي التذكير بهذه النعمة قولان أحدهما: أنها نعمة على الحواريين أن آمنوا فذكر الله بها عيسى # لأنهم أنصاره، والثاني: أنها نعمة على عيسى لأنه جعل له أنصاراً من الحواريين قد آمنوا به وهم خواصه الذين قد استخصهم من جملة الناس {قَالُوا ءَامَنَّا} يعني بالله تعالى ربك {وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ١١١} أشهدوا الله تعالى وعيسى على إسلامهم.

  قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} بالتاء وبالياء فمن قرأ بالياء ضم الباء من ربك ومن قرأ بالتاء فتح