البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 258 - الجزء 1

  {حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} من الكرامة والنبوة {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} قصد بذلك أمرين أحدهما: تفرد الله بعلم المصلحة فيمن يستحق الرسالة والثاني الرد عليهم في سؤال ما لا يستحقونه والمنع مما لا يجوز أن يسألوه {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ} والصغار الذل وإنما سمي صغار لأن النفس تصغر إلى الإنسان ومعناه أن أنفسهم عن اتباع الحق صغار عند الله، وذل وإن كان عندهم عز وتكبر.

  قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ} أي يهديه إلى نيل الثواب واستحقاق الكرامة ويهديه إلى الدلائل المؤدية إلى الحق {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} عنى بشرح صدره سعته لدخول الإسلام فيه وثبوته فيه وذلك مثل قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ١}⁣[الشرح]، وروينا عن رسول الله ÷ قال أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكراً للموت وأحسنهم لما بعده استعدادا» وسئل رسول الله ÷ عن قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: «نور يقذف فيه فيشرح له وينفسح» قالوا: وهل لذلك من أمارة تعرف؟ قال: «نعم الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقائه».

  {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} عن الهداية إلى الحق ونيل الثواب واستحقاق الكرامة {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} يعني ضيقاً لا يتسع لدخول الإسلام إليه {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} أي كأنه كلف صعود السماء أي امتناعه عليه وبعده، ويجوز أن لا يجد مسلكاً لضيق المسالك عليه، ويحتمل أن قلبه ينبو بالنبوء عنه والنفور منه صاعداً إلى السماء {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ١٢٥} الرجس النجس وقد قيل إنه