البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأعراف

صفحة 286 - الجزء 1

  قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} في هذه الآية قولان أحدهما: أن الثلاثين ليلة شهر أهل بصيامه والعشر بعدها أجل لمناجاة ربه، والثاني: الأربعين كلها أجل لمناجاة ربه أجل في الأول ثلاثين ليلة ثم زيد عشراً بعدها، وقيل إنه ذو القعدة وعشر من ذي الحجة {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.

  فإن قيل: معلوم أن العشر مع الثلاثين مستكملة أربعين فما معنى قوله: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}؟ ففي ذلك جوابان أحدهما: أنه توكيد للذكر فلم يمتنع، الثاني: ليبقى إتمام الثلاثين بالعشر أن يكون من جملة الثلاثين لإتمام الشيء بعض منه والفرق بين الميقات والوقت وإن كانا من جنس واحد أن الميقات ما قدر بعمل، والوقت قدر لا يقدر بعمل.

  قوله تعالى: {.. قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} وإنما سأل موسى ربه الرؤية مع علمه بأنه لا يجوز عليه لِيَرِدْ عليه من جواب الله تعالى ما يحتج به على من حضر الميقات من قومه حين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}⁣[البقرة: ٥٥].

  ويحتمل أن يكون موسى # علم أن الله عز اسمه لا يرى بالاستدلال فأحب أن يكون علمه بذلك ضرورة فأجابه الله بأن قال: {لَنْ تَرَانِي} ثم أظهر من الجواب ما يعلم به استحالة مسألته: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} وذلك لأن الجبل لا يستقر مكانه فالرؤية مستحيلة لاستحالة الاستقرار {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي تجلى بعض ملكوته فتدكدك وتجلى ظهر، مأخوذ من جلي العروس إذا ظهرت لزوجها، وجلي السيف إذا أزال ما عليه من الصدأ.

  قوله تعالى: {جَعَلَهُ دَكًّا} يعني مستوياً بالأرض من قوله: ناقة دكا إذا لم يكن لها سنام، وقيل إنه تقطع وساخ في الأرض {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}