البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[تفسير سورة البقرة]

صفحة 30 - الجزء 1

  ما أنتم عليه من التكذيب والعداوة إنما نحن مستهزئون أي ساخرون بما نظهره من التصديق والموافقة.

  قوله ø: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} معناه يجازيهم على استهزائهم فسمي الجزاء على اسم المجازى عليه كما قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}⁣[البقرة: ١٩٤]، وليس الجزاء اعتداء.

  قوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١٥} فيه تأويلان أحدهما: يملي لهم. والثاني: يزيدهم يقال: مددت وأمددت، وقيل: مددت فيما كان من الشر وأمددت فيما كان من الخير، وقيل: مددت فيما كان زيادته منه، وأمددت فيما كان زيادته من غيره كقوله: أمددت الجيش بمدد، وأمد الجرح لأن المدة من غيره، و {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الطغيان مجاوزة القدر⁣(⁣١) يقال: طغى الماء إذا تجاوز قدره قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ١١}⁣[الحاقة]. {يَعْمَهُونَ} فيه ثلاثة أوجه أحدها: يترددون ومنه قول الشاعر:

  حيران يعمه في ضلالته ... متردداً لشرائع الظلم

  والثاني: معناه يتحيرون قال رؤبة بن العجاج:

  ومهمه أطرافه في مهمه ... أعيى الهدى بالجاهلين العمه

  والثالث: يعمهون عن رشدهم قال الأعشى:

  أراني قد عمهت وشاب رأسي ... وهذا الشيب شين للكبير


(١) نخ (ج): مجاوزة المقدار.