البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 311 - الجزء 1

  المسلمون ويذل به المشركون {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} يعني المال سماه عرضاً لقلة بقائه {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} يعني العمل بما يوجب ثواب الآخرة. {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٦٨} والكتاب القرآن الذي آمنتم به المقتضي غفران الصغائر {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} من المفاداة لكنه سبق كتابه أن تكون المؤاخذة منه لمن أتى محظوراً على وجه العلم والعمل فأما من أتاه على سبيل الجهل والسهو فلا شيء عليه؛ ثم إن الله تعالى بين تحليل الغنائم والفداء بقوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}.

  قوله تعالى: {... إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا} يعني بالله {وَهَاجَرُوا} يعني ديارهم {وَجَاهَدُوا} يعني في طاعة الله ø {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} والمجاهدة بالمال النفقة والمجاهدة بالنفس القتال وهؤلاء هم المهاجرون مع النبي ÷ في المدينة.

  ثم قال: {وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا} يعني الأنصار الذين آووا، المهاجرين في منازلهم {وَنَصَرُوا} النبي ÷ ونصروهم {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي أولئك بعضهم إخوان بعض.

  وروينا أن النبي ÷ قال: «إن الله ø جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام» ثم قال: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} يعني ما لكم من ميراثهم شيء حتى يهاجروا وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}⁣[الأحزاب: ٦]، يعني في الميراث فنسخت التي قبلها وكان التوارث لذوي