البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة براءة مدنية

صفحة 318 - الجزء 1

  قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهم كل من جحد بنبوة محمد ÷ من سائر ملل الكفر والشرك {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} وهو دين الإسلام لأنه ناسخ لسائر الأديان {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني اليهود والنصارى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ٢٩} أي يدفعونها والجزية من الأسماء المجملة التي لا يوقف على علمها إلا بالبيان. عن يد: فيه تأويلان أحدهما: من عز وقدرة، والثاني أن يروى أن لنا في أخذها منهم يداً عليهم لحقن دمائهم بها وهم صاغرون أذلك مقهورون يمشون بها إلى الآخذ فيأخذها منهم وهو جالس وهم قيام، ودفع الجزية بعينه هو الصَّغَار.

  {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وهذا قول جماعة من اليهود {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وهذا قول الكافة منهم {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} معنى ذلك وإن كانت الأقوال كلها بالفم أنه لا يقترن به دليل ولا يعضده برهان فصار قولاً لا يتجاوز الفم فلذلك خص به {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض تشبهاً بالرجال والذين كفروا من قبل هم عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وقولهم إن الملائكة بنات الله {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} أي قتلهم {أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٣٠} معناه كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب.

  قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الأحبار العلماء واحدهم حبر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها، وأما الرهبان فجمع راهب مأخوذ من رهبة الله وخشيته غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نساك النصارى وقوله: {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحللونه