البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الحديد مدنية

صفحة 776 - الجزء 2

  والنفقة قبل الفتح أفضلهما مما بعد لأن الأشياء كانت قبل الفتح متضايقة والدار لم تكن واسعة والأنصار كانوا يومئذ أقلهم فصارت المواساة عند الضيق أفضل وأجزل ثواباً منها عند الفسحة.

  قوله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} بالجنان من أنفق من قبل الفتح وبعده.

  {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} والعرب تقول له عند فلان قرض خير أو شر إذا فعل به خيراً أو شراً ومنه قول الشاعر:

  وتجزي سلامات ابن مفرج قرضها ... بما قدمت أيديهم وأزيد

  والمراد في هذه الآية النفقة في الجهاد، روينا أن اليهود أتت رسول الله ÷ فقالوا: يا محمد أفقير ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}⁣[آل عمران: ١٨١].

  قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} وهذا النور ضياء يعطيهم الله ثواباً لهم وتكرمة يتميز به المؤمن من الكافر والمطيع من العاصي لأن الكافر إذا مشى يستدل بسواده وظلمته على كفره قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ٤١}⁣[الرحمن].

  {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} أي نهتدي بكم إلى ما تهتدون {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} أي ارجعوا فاعملوا عملاً يجعله الله تعالى بين أيديكم نوراً {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} وهو أن بين الجنة والنار نوراً وحجاباً باطنة الجنة وظاهره النار وهو معنى قوله: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ