البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الحشر مدنية

صفحة 787 - الجزء 2

  قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} قبل الهجرة إليهم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} يعني يقبلونهم ويواسوهم بأموالهم ومساكنهم {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} أي لا يبدون من أنفسهم مطمعاً {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يعني يفضلوهم ويقدموهم على أنفسهم ولو كان بهم فاقة وحاجة ومنه قول الشاعر:

  أنت الربيع إذا تكون خصاصة ... عاش السقيم بها وعاش المقتر

  وفي إيثارهم وجهان أحدهما أنهم آثروا المهاجرين على أنفسهم بما حصل من فيء وغيره من الغنائم حتى قسمت في المهاجرين.

  والثاني: أن النبي ÷ قال لهم: «إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد فخرجوا إليكم» فقالوا: إن أموالنا بين قطائع فقال النبي ÷: «إنهم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر» فقالوا: يا رسول الله {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩} هو أن يشح بإخراج حقوق الله تعالى من ماله ولا ينفقه في وجوه المبار.

  قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} أي جاءوا بعد المهاجرين أمروا أن يستغفروا لمن سبقهم من إخوانهم المهاجرين والمسلمين {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٠} والغل الغش والعداوة.

  قوله تعالى: {... بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} وحرب بعضهم لبعض واختلاف قلوبهم حتى لم يتفقوا على أمر واحد وهذه الآية عامة في كل من عادا الحق وباينه أن يجعل الله حالهم كذلك {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ