البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الجن مكية

صفحة 834 - الجزء 2

  الوادي، يعني من الجن فلما جاءهم الإسلام عاذوا بالله تعالى وتركوهم وهذا معنى قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ٦} يعني إثماً وطغياناً وقيل سفهاً.

  قوله تعالى: {... وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} يعني أن مردة الجن يقعدون من السماء مقاعد يقولون إنا نسمع أخبار السماء ونأخذ من الملائكة علوم الوحي {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ٩} عنى بالشهاب شهاب القذف الذي يحرق به مردة الجن ممن يستمع الوحي، وأما الوحي فلم تكن الجن تقدر على سماعه {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ١٠} يعني أنهم لا يدرون هل بعث رسوله محمداً ÷ ليؤمنوا به فيكون ذلك منهم ولهم ثواباً أم ليكفروا به فيكون ذلك منهم شراً وعليهم عقاباً.

  {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} يعني المؤمنون {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} يعني المشركون {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ١١} أي بالأهواء المتباينة والأديان المختلفة ومنه قول الراعي:

  القابض الباسط الهادي بطاعته ... في فتنة الناس إذ أهواءهم قددا

  {.. وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ} يعني القرآن حين سمعوه من رسول الله ÷ آمنوا به وصدقوه على رسالته وهذه من خصائص رسول الله ÷ لم يشاركه فيها أحد من الأنبياء {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ١٣} والبخس النقصان والرهق العدوان يعني لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته قال الأعشى: