البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأعلى مكية

صفحة 885 - الجزء 2

  {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ٥} والغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح، والأحوى الأسود قال ذو الرمة:

  لمياء في شفتيها حوّةٌ لعس ... وفي اللثات على أنيابها شنب

  والغثاء في اللغة ما احتمله السيل فشبّه ما تذروه الرياح به وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نظارتها {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ٦} كان رسول الله ÷ إذا نزل عليه جبريل يقرأه خيفة أن ينساه فأنزل الله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ٦}.

  {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} من أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرأوه {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ٧} والجهر هوما قد أظهره وما يخفى ما قد أسره {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ٨} وهو الخير كله في الدنيا والآخرة {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ٩} يعني ذكر بالله ø و (إن) بمعنى (ما) والمراد ما نفعت الذكرى وليست إن للشرط الذكرى مع الأحوال كلها نافعة {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ١٠} يعني من يخشى الله وقد يتذكر من يرجوه غير أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخاشي دون الراجي.

  {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ١١} الذي يتجنب التذكرة هو الكافر وقد صار لكفره شقياً {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ١٢} والنار الكبرى هي التي في أسفل الدركات {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ١٣} يعني أنه معذب لا يستريح بالموت ولا ينتفع بالحياة كما قال الشاعر:

  ألا ما لنفسي لا تموت فينقضي ... عناها ولا تحيا حياة لها طعم