معاني هذه الأحرف
  
= ذلك قوله ﷺ: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمصورون: مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره فى محل رفع خبر إن، وهذا هو الراجح فى إعراب هذا الحديث على هذه الرواية، ومنهم من جعل من فى قوله «من أشد» زائدة على مذهب الكسائى الذى يجيز زيادة من الجارة فى الإيجاب، ويجعل «أشد» اسم إن. و «المصورون» خبرها وهو مبنى على رأى ضعيف، ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا أو إنشائيا، فأما قوله تعالى {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} وقوله سبحانه {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وقول الشاعر:
إنّ الذين قتلتم أمس سيّدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبرا لإن، وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له؛ فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول. والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم مقول فى شأنهم لا تحسبوا - إلخ، وكذلك الباقى، هكذا قالوا، وهو عندى تكلف والتزام ما لا لزوم له.
ويستثنى من ذلك عندهم أن المفتوحة؛ فإنها انفردت بجواز وقوع خبرها جملة إنشائية، وهو مقيس فيما إذا خففت نحو قوله تعالى {وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} وقوله جل شأنه: {وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها}.
الأمر الثانى: أن جماعة من العلماء - منهم ابن سيده - قد حكوا أن قوما من العرب ينصبون بإن وأخواتها الاسم والخبر جميعا، واستشهدوا على ذلك بقول (وينسب إلى عمر بن أبى ربيعة، ولم أجده فى ديوانه):
إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا، إنّ حرّاسنا أسدا
ويقول محمد بن ذؤيب العمانى الفقيمى الراجز يصف فرسا:
كأنّ أذنيه إذا تشوّفا ... قادمة أو قلما محرّفا
وبقول ذى الرمة:
كأن جلودهنّ مموّهات ... على أبشارها ذهبا زلالا
وبقول الراجز: