يجوز الغاء العامل المتوسط والمتأخر دون المتقدم
  وذهب الكوفيون - وتبعهم أبو بكر الزبيدىّ وغيره - إلى جواز إلغاء المتقدم؛ فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين.
  وإنما قال المصنف: «وجوّز الإلغاء» لينبّه على أن الإلغاء ليس بلازم، بل هو جائز؛ فحيث جاز الإلغاء جاز الإعمال كما تقدّم، وهذا بخلاف التعليق [فإنه لازم، ولهذا قال: «والتزم التعليق»].
  فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل «ما» النافية، نحو «ظننت ما زيد قائم».
  أو «إن» النافية، نحو «علمت إن زيد قائم» ومثلوا له بقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً} وقال بعضهم: ليس هذا من باب التعليق فى شئ؛ لأن شرط التعليق أنه إذا حذف المعلّق تسلّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين، نحو «ظننت ما زيد قائم»؛ فلو حذفت «ما» لقلت: «ظننت زيدا قائما» والآية الكريمة لا يتأتّى فيها ذلك؛ لأنك لو حذفت لمعلّق - وهو «إن» - لم يتسلّط «تظنون» على «لبثتم»؛ إذ لا يقال: وتظنون لبثتم، هكذا زعم هذا القائل، ولعله مخالف لما هو كالمجمع عليه - من أنه لا يشترط فى التعليق هذا الشرط الذى ذكره - وتمثيل النحويين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك.
= الشاهد فيه: قوله «وجدت ملاك الشيمة الأدب» فإن ظاهره أنه ألغى «وجدت» مع تقدمه؛ لأنه لو أعمله لقال «وجدت ملاك الشيمة الأدبا» بنصب «ملاك» و «الأدب» على أنهما مفعولان؛ ولكنه رفعهما، فقال الكوفيون: هو من باب الإلغاء والإلغاء جائز مع التقدم مثل جوازه مع التوسط والتأخر، وقال البصريون: ليس كذلك، بل هو إما من باب التعليق، ولام الابتداء مقدرة الدخول على «ملاك» وإما من باب الإعمال، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب مفعول ثان؛ على ما بيناه فى إعراب البيت، والمنصف الذى يعرف مواطن الحق يدرك ما فى هذين التأويلين من التكلف.