متى وجد المفعول لم ينب عن الفاعل غيره
  ١٥٦ - لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا ... ولا شفى ذا الغىّ إلّا ذو هدى
١٥٦ - نسبوا هذا البيت لرؤبة بن العجاج، وقد راجعت ديوان أراجيزه فوجدت هذا البيت فى زيادات الديوان، لا فى أصله، وقبله قوله:
وقد كفى من بدئه ما قد بدا ... وإن ثنى فى العود كان أحمدا
اللغة: «بدئه» مبتدأ أمره وأول شأنه «بدا» ظهر «ثنى» عاد، تقول: ثنى يثنى - بوزن رمى يرمى - وأصل معناه جمع طرفى الحبل فصير ما كان واحدا اثنين «كان أحمدا» مأخوذ من قولهم: عود أحمد، يريدون أنه محمود «يعن» فعل مضارع ماضيه عنى، وهو من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول، ومعناه على هذا أولع أو اهتم، تقول: عنى فلان بحاجتى وهو معنى بها؛ إذا كان قد أولع بقضائها واهتم لها «العلياء» هى خصال المجد التى تورث صاحبها سموا ورفعة قدر «شفى» أبرأ، وأراد به ههنا هدى، مجازا «الغى» الجرى مع هوى النفس والتمادى فى الأخذ بما يوبقها ويهلكها «هدى» بضم الهاء - وهو الرشاد وإصابة الجادة.
المعنى: لم يشتغل بمعالى الأمور، ولم يولع بخصال المجد، إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوى النفوس المريضة والأهواء المتأصلة من دائهم الذى أصيبت به نفوسهم إلا ذوو الهداية والرشد.
الإعراب: «لم» حرف نفى وجزم وقلب «يعن» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف، والفتحة قبلها دليل عليها «بالعلياء» جار ومجرور نائب عن الفاعل «إلا» أداة استثناء ملغاة «سيدا» مفعول به ليعن «ولا» الواو عاطفة، ولا نافية «شفى» فعل ماض «ذا» مفعول لشفى مقدم على الفاعل، وذا مضاف، و «الغى» مضاف إليه «إلا» أداة استثناء ملغاة «ذو» فاعل شفى، وذو مضاف، و «هدى» مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله «لم يعن بالعلياء إلا سيدا» حيث ناب الجار والمجرور - وهو قوله «بالعلياء» - عن الفاعل، مع وجود المفعول به فى الكلام - وهو قوله «سيدا».
والدليل على أن الشاعر أناب الجار والمجرور، ولم ينب المفعول به، أنه جاء بالمفعول به منصوبا، ولو أنه أنابه لرفعه؛ فكان يقول: لم يعن بالعلياء إلا سيد،