النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(جذعم)

صفحة 252 - الجزء 1

  نسْيان الْقُرْآنِ، لِأَنَّ البَيْعة تُباشرُها اليَدُ مِنْ بَيْن الْأَعْضَاءِ، وهُو أَنْ يَضَع الْمُبَايِعُ يدَه فِي يَدِ الْإِمَامِ عنْد عَقْد البَيْعة وأخْذِها عَلَيْهِ.

  (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُلُّ خُطْبَة ليْسَت فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كاليَدِ الجَذْمَاء» أَيِ المقْطُوعة.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}⁣[الأنفال: ٤٢] قَالَ: «انْجَذَمَ أَبُو سُفيان بالْعِير» أَيِ انْقَطع بِهَا مِنَ الرَّكْب وسَار.

  (س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّهُ كتَب إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنَّ أهْل الْمَدِينَةِ طَالَ عَلَيْهِمُ الجَذْمُ والجَذْبُ» أَيِ انْقِطاع المِيرَة عَنْهم.

  وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لمَجْذُوم فِي وَفْدِ ثَقِيف: ارْجِعْ فَقد بَايَعْتُكَ» المَجْذُومُ: الَّذِي أَصَابَهُ الجُذَام، وَهُوَ الدَّاء الْمَعْرُوفُ، كَأَنَّهُ مِنْ جُذِمَ فَهُوَ مَجْذُومٌ. وإنَّما رَدّه النبي لِئلاّ يَنْظُر أصحابُه إِلَيْهِ فيَزْدَرُونه ويَروْن لأنْفُسِهم عَلَيْهِ فَضْلا فيَدْخُلهم العُجْب والزَّهْو، أوْ لِئلاَّ يَحْزَن المَجْذُوم برُؤية النبي وَأَصْحَابِهِ ¤، وَمَا فَضَلُوا بِهِ عَلَيْهِ، فيَقلُّ شُكْره عَلَى بلاَء اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ لِأَنَّ الجُذَام مِنَ الْأَمْرَاضِ المُعْدِيه، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَطَيَّرُ مِنْهُ وتَتَجَنَّبُه، فردَّه لِذَلِكَ، أَوْ لِئَلَّا يَعْرِض لأحَدِهم جُذَام فيَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ أعْدَاه. ويَعْضُد ذَلِكَ:

  الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ أخَذ بيدِ مَجْذُوم فوَضَعها مَعَ يَدِهِ فِي القَصْعة، وَقَالَ: كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وتَوَكُّلا عَلَيْهِ» وَإِنَّمَا فَعل ذَلِكَ لِيُعْلِم النَّاسَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بتَقْدير اللَّهِ تَعَالَى، وَرَدّ الأوَّل لِئَلَّا يأَثم فِيهِ الناسُ، فإنَّ يَقينَهم يقصُر عَنْ يَقينه.

  (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُديموا النَّظر إلَى المَجْذُومِين» لِأَنَّهُ إِذَا أدَام النَّظَر إِلَيْهِ حَقَره، وَرأى لنَفْسه فَضْلا وَتأذَّى بِهِ المَنْظُور إِلَيْهِ.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ¥ «أرْبَع لَا يَجُزْنُ فِي البَيْع وَلَا النِّكاح: المجْنُونة، والمَجْذُومَة، والبَرْصَاء، والعَفْلاَء.

  (هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَذَانِ «فَعَلَا جِذْمِ حَائط فأذَّنَ» الجِذْمُ: الأصْل، أَراد بَقِيَّة حَائِطٍ أَوْ قِطْعَة مِنْ حَائِطٍ.

  (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ حاطِب «لَمْ يَكُن رجُل مِنْ قُريش إلاَّ وَلَه جِذْمٌ بِمَكَّةَ» يُريد الْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ.