النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(بدل)

صفحة 107 - الجزء 1

  هَذَا النَّوْعِ قولُ عُمَرَ ¥: نِعْمَت الْبِدْعَةُ هَذِهِ. لمَّا كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَدَاخِلَةً فِي حَيِّزِ الْمَدْحِ سَمَّاهَا بِدْعَةً ومدَحها؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَسَنَّها لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا لَياليَ ثُمَّ تَركَها وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا، وَلَا جَمع الناسَ لَهَا، وَلَا كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا عُمَرُ ¥ جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ونَدَبهم إِلَيْهَا، فَبِهَذَا سَمَّاهَا بِدْعَةً، وَهِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سُنَّة، لِقَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ بسُنَّتي وسنَّة الْخُلَفَاءِ الراشِدين مِنْ بعْدي» وَقَوْلِهِ «اقتدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» وعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يُحمل الْحَدِيثُ الْآخَرُ «كُلُّ مُحْدَثة بدعةٌ» إِنَّمَا يُرِيدُ مَا خَالَفَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يُوَافِقِ السُّنَّة. وَأَكْثَرُ مَا يُستعمل المُبْتَدَع عُرفا فِي الذَّمِّ.

  وَفِي حَدِيثِ الهَدْي «فأزْحَفَت عَلَيْهِ بالطَّريق فَعيَّ بشَأنِها إنْ هِيَ أَبْدَعَتْ» يُقَالُ أَبْدَعَتِ النَّاقَةُ إِذَا انْقَطعت عَنِ السَّير بِكَلاَل أَوْ ظَلْع، كَأَنَّهُ جعَل انْقِطَاعَهَا عَمَّا كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً عَلَيْهِ مِنْ عَادَةِ السَّير إِبْدَاعاً، أَيْ أنْشاء أمْرٍ خَارِجٍ عَمَّا اعْتِيد مِنْهَا.

  وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَيْفَ أصْنَع بِمَا أُبْدِعَ عَلَيَّ مِنْهَا» وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ أبْدَعَت. وَأُبْدِعَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَالَ: هَكَذَا يُستعمل. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَقْيَسُ.

  (هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي فاحمِلْني» أَيِ انْقُطِع بِي لِكَلَالِ رَاحِلَتِي.

(بَدَلَ)

  [هـ] فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ ¥ «الأَبْدَال بِالشَّامِ» هُم الْأَوْلِيَاءُ والعُبَّاد، الْوَاحِدُ بِدْل كحِمْل وَأَحْمَالٍ، وبَدَل كَجَمَلٍ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُبْدِل بآخرَ.

(بَدَنَ)

  (هـ) فِيهِ «لَا تُبَادِرُوني بِالرُّكُوعِ والسُّجود، إنِّي قَدْ بَدُنْتُ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هَكَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ بَدُنت، يَعْنِي بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَّنْتُ بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ كبِرت وأسْننْتْ، وَالتَّخْفِيفُ مِنَ البَدَانَة وَهِيَ كَثْرَةُ اللَّحْمِ، وَلَمْ يَكُنْ سَمِينًا. قلتُ: قَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي هَالَةَ: بَادِن مُتَماسك، والبَادِن الضَّخم. فَلَمَّا قَالَ بَادِنٌ أرْدَفَه بِمُتَماسِك، وَهُوَ الَّذِي يُمْسك بعضُ أَعْضَائِهِ بَعْضًا، فَهُوَ مُعتدل الْخَلْق.

  وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أتُحِبّ أَنَّ رجُلا بَادِناً فِي يومٍ حَارٍّ غَسَلَ مَا تحْت إزَارِه ثُمَّ أعطَاكَهُ فَشَرِبْتَهُ».