النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(قدس)

صفحة 23 - الجزء 4

  [هـ] وَفِي حَدِيثِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ «فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فاقْدُروا لَهُ» أَيْ قَدِّرُوا لَهُ عِدَدَ الشَّهْرِ حَتَّى تُكَمِّلوه ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

  وَقِيلَ: قَدِّرُوا لَهُ مَنازِلَ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّكم عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ.

  قَالَ ابْنُ سُرَيج⁣(⁣١): هَذَا خِطاب لِمَنْ خصَّه اللَّهُ بِهَذَا العلْم. وَقَوْلُهُ «فأكْمِلوا العِدّة» خطابٌ للعامَّة الَّتِي لَمْ تُعْن بِهِ. يُقَالُ: قَدَرْتُ الأمْر أَقْدُرُه وأَقْدِرُه إِذَا نَظَرتَ فِيهِ ودّبَّرتَه.

  (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريِة الحديثةِ السِنِّ» أَيِ انْظُروه وأفْكِروا فِيهِ.

  وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كانَ يَتَقَدَّر فِي مَرضه: أيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟» أَيْ يُقَدِّر أَيَّامَ أَزْوَاجِهِ فِي الدَّوْر عَلَيْهِنَّ.

  وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَقْدِرك بقُدْرَتك» أَيْ أطْلُب مِنْكَ أَنْ تَجْعل لِي عَلَيْهِ قُدْرة.

  (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ⁣(⁣٢) «إِنَّ الذَّكاة فِي الحَلْق واللبَّة لَمن قَدَرَ» أَيْ لِمَنْ أمْكَنه الذَّبْحُ فِيهِمَا، فَأَمَّا النادُّ والمُتَردِّي فَأَيْنَ اتَّفَق مِنْ جسْمِهما.

  وَفِي حَدِيثِ عُمَير مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ⁣(⁣٣) «أمرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أَقْدُر لحَمْاً» أَيْ أطْبُخ قِدْرا مِنْ لَحْم.

(قَدُسَ)

  - فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْقُدُّوسُ»

  هُوَ الطَّاهِرُ المنزَّه عَنِ العُيوب. وفُعُّول:

  مِنْ أبْنِية الْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ تُفتح القاف، وليس بالكثير، ولم يَجيء مِنْهُ إِلَّا قَدُّوس، وسَبّوح، وذَرّوح.

  وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «التَّقْديس» فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّطْهِيرُ.

  وَمِنْهُ «الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»

  قِيلَ: هِيَ الشَّامُ وفِلَسْطين. وسُمِّي بيتْ المَقْدس، لأنه الموضع


(١) في اللسان: «ابن شريح» وانظر شرح النووي على مسلم (باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، من كتاب الصوم) ٧/ ١٨٩.

(٢) أخرجه الهروي من حديث عمر.

(٣) هو عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غِفار، وقيل في اسمه أقوال أخرى. انظر الأصابة ١/ ٩. وإنما سمي آبي اللحم، لأنه كان يأبى أن يأكل اللحم.