النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(كهول)

صفحة 215 - الجزء 4

  كَانَ يَزْعمُ أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُورَ بمُقَدِّمات أسْباب يَسْتَدلُّ بِهَا عَلَى مَواقِعها مِنْ كَلَامِ مَن يَسأله أَوْ فِعْلِه أَوْ حَالِهِ، وَهَذَا يَخُصُّونه بِاسْمِ العَرَاف، كَالَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ المَسْروق، وَمَكَانِ الضَّالَّة وَنَحْوِهِمَا.

  وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ «مَن أتَى كاهِنا» قَدْ يَشْتَمِل عَلَى إتْيان الكاهِن والعَرّاف والمُنَجِّم.

  وجَمْعُ الكاهِن: كَهَنةٌ وكُهَّان.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجَنِينِ «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوانِ الكُهَّان» إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِن أجْل سَجْعه الَّذِي سَجَع، وَلَمْ يَعِبْه بمُجَرَّد السَّجْع دُونَ مَا تَضَمَّن سَجْعه مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ قَالَ: كَيْفَ نَدِيَ مَن لَا أكَل وَلَا شَرِب وَلَا اسْتَهلَّ، ومِثْل ذَلِكَ يُطَلّ.

  وَإِنَّمَا ضرَبَ الْمَثَلَ بالكُهَّان؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرَوِّجُون أقاوِيلَهم الباطِلة بِأسْجاعٍ تَرُوق السَّامِعِين، فَيَسْتَمِيلون بِهَا الْقُلُوبَ، ويَسْتَصْغُون إِلَيْهَا الْأَسْمَاعَ. فأمَّا إِذَا وُضِع السَّجْع فِي مَواضِعه مِنَ الْكَلَامِ فَلاَ ذَمَّ فِيهِ. وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ كَثِيرًا.

  وَقد تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، مُفْرداً وَجَمعاً، واسْماً وفِعْلاً.

  وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُج مِنَ الكَاهِنَيْن رجُلٌ يَقْرأ الْقُرْآنَ لاَ يَقْرأ أحَدٌ قِرَاءتَه» قِيل:

  إنَّه مُحَمَّدُ بْنُ كَعْب القُرظِيّ. وَكَانَ يُقَال لِقُرَيْظة والنَّضِير: الكاهِنَان، وَهُمَا قَبِيلاَ اليَهُود بِالْمَدِينَةِ، وهُم أَهْلُ كِتاَب وفَهْم وعِلْم، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مِن أوْلاَدهم.

  والعرَب تُسَمِّي كلَّ مَنْ يَتعاطَى عِلْماً دَقيقاً: كاهِنا. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي المُنَجِّم والطَّبيب كاهِناً.

(كَهْوَلٌ)

  [هـ] فِي حَدِيثِ عَمْرٍو «قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أتَيْتُك وأمْرُك كَحُقِّ الكَهُول» هَذِهِ الَّلفْظة قَدِ اخْتُلِف فِيهَا، فرَواها الْأَزْهَرِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَقَالَ: هِيَ الْعَنْكَبُوتُ.

  وَرَوَاهَا الْخَطَّابِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَالْوَاوِ، وَقَالَا: هِيَ العَنْكَبوت.

  وَلَمْ يُقَيَّدها القُتْيبي.

  ويُرْوَى «كحُقِّ الكَهْدَل» بِالدَّالِ بَدَلَ الْوَاوِ.

  وَقَالَ القُتَيْبي: أمَّا حُقّ الكَهْدَل فَلَمْ أسْمَع فِيهِ شَيْئًا مَّمن يُوثَق بعِلمه، بَلَغنِي أنه بَيْت