النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(غبر)

صفحة 337 - الجزء 3

(غَبَرَ)

  (هـ) فِيهِ «مَا أقَلَّت الغَبْرَاء وَلَا أظَلَّت الخَضْراءُ أصْدَقَ لَهْجةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» الغَبْرَاء: الْأَرْضُ، والخَضْراء: السَّمَاءُ لِلَوْنهِما، أَرَادَ أَنَّهُ مُتَنَاهٍ فِي الصِّدْق إِلَى الْغَايَةِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى اتَّساع الْكَلَامِ والمجَازِ⁣(⁣١).

  وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «بَيْنا رَجُلٌ فِي مَفَازة غَبْرَاء» هِيَ الَّتِي لَا يُهْتَدَى للخُروج مِنْهَا.

  وَفِيهِ «لَوْ تَعلمون مَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ مِنَ الُجوع الأَغْبَر وَالْمَوْتِ الأحْمر» هَذَا مِنْ أحَسن الاستِعارات، لأنَّ الجُوع أَبَدًا يَكُونُ فِي السِّنِين المُجْدِبة، وَسِنُو الْجَدْب تُسَمَّى غُبْراً، لاغْبِرَار آفاقِها مِنْ قِلِّة الْأَمْطَارِ، وأرَضيها مِنْ عَدم النَّبات والاخْضِرار. والموتُ الأحْمر: الشَّدِيدُ، كَأَنَّهُ مَوت بالقَتل وإرَاقَة الدِّمَاءِ.

  (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِت «يُخَرّب البَصْرَة الْجُوعُ الأَغْبَر وَالْمَوْتُ الأحْمر».

  (س) وَفِي حَدِيثِ مُجاشِع «فَخَرَجُوا مُغْبِرِين، هُم ودوابُّهم» المُغْبِر: الطَّالب لِلشَّيْءِ الْمُنكَمِش⁣(⁣٢) فِيهِ، كَأَنَّهُ لحِرصه وسُرْعته يثِير الغُبَار.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مُصْعَب «قدِم رجُل مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُهُ مُغْبِراً فِي جِهَازه».

  وَفِيهِ «إِنَّهُ كَانَ يَحْدُر فِيمَا غَبَرَ مِنَ الُّسورة» أَيْ يُسْرِعُ فِي قِرَاءَتِهَا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يَحْتَمِلُ الغَابِر هَاهُنَا الْوَجْهَيْنِ، يَعْنِي الماضِي والباقِي، فإنَّه مِنَ الْأَضْدَادِ. قَالَ: والمعْرُوف الْكَثِيرُ أنَّ الغَابِر الْبَاقِي. وَقَالَ غيرُ واحِد مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى المَاضِي.

  (هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ اعْتَكَفَ العَشْرَ الغَوَابِر مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ» أَيِ البَواقِي، جمع غَابِر.


(١) عبارة الهروي: «لم يُرد # أنه أصدق من أبي بكر وعمر ®، ولكنه على اتساع الكلام، المعنى أنه مُتناهٍ في الصدق».

(٢) أي المسرع.