النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(حدد)

صفحة 352 - الجزء 1

  فإنَّما يَنْظر إِلَى المِعْراج» حَدَجَ بِبَصَرِه يَحْدِجُ إِذَا حَقَّقَ النَّظَر إِلَى الشَّيء وأدَامَه.

  (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ¥ «حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَجُوك بأبْصارِهم» أَيْ مَا دَامُوا مُقْبِلين عَلَيْكَ نَشِطِين لِسَماع حَدِيثِك.

  [هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ ¥ «حَجَّةً هَاهُنَا ثُمَّ احْدِجْ هَاهُنَا حتَّى تفنَى» الحَدْجُ شَدُّ الأحْمال وتَوْسِيقُها، وَشَدُّ الحِدَاجَةِ وَهُوَ القَتَب بأدَاتِه، والمَعْنى حُجَّ حَجَّة واحِدة ثُمَّ أقْبل عَلَى الجِهاد إِلَى أَنْ تَهْرَم أَوْ تَمُوت، فكنَى بالحَدْجِ عَنْ تهْيئة المركُوب للْجِهَاد.

  (هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ¥ «رَأَيْتُ كَأَنِّي أخَذْتُ حَدَجَةَ حَنْظَل فَوَضَعْتُها بَيْنَ كَتِفَيْ أَبِي جَهْلٍ» الحَدَجَةُ بِالتَّحْرِيكِ: الحَنْظَلة الفِجَّة الصُّلْبَة، وَجَمْعُهَا حَدَجٌ.

(حَدَدَ)

  - فِيهِ ذِكْر «الحَدّ والحُدُود» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهِيَ محَارم اللَّهِ وعُقُوبَاتُه الَّتي قرَنَها بالذُّنوب. وأصْل الحَدّ المنْع والفَصْل بَيْنَ الشَّيئين، فكأنَّ حُدُود الشَّرع فَصَلَتْ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَمِنْهَا مَا لَا يُقْرَب كالفَواحش المُحَرَّمة، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}⁣[البقرة: ١٨٧].

  وَمِنْهَا مَا لَا يُتعدّى كالموارِيث المعيّنَة، وتَزْويج الْأَرْبَعِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}⁣[البقرة: ٢٢٩].

  (هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنِّي أصَبْت حَدّا فأقِمْه عَلَيّ» أَيْ أَصَبْتُ ذَنْباً أوْجَب عَلَيَّ حَدّا:

  أَيْ عُقوبَةً.

  (هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ «إنَّ اللَّمَم مَا بَين الحَدَّيْنِ: حَدّ الدُّنْيَا وحَدّ الْآخِرَةِ» يُرِيدُ بحَدّ الدُّنْيَا مَا تَجب فِيهِ الحُدُود الْمَكْتُوبَةُ، كالسَّرِقة والزِّنا والقَذْف، ويُريد بحَدّ الْآخِرَةِ مَا أوْعَد اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ العَذابَ كالقَتْل، وعُقُوق الوَالدَيْن، وأكْل الرّبَا، فأرادَ أَنَّ اللَّمَم مِنَ الذُّنوب: مَا كَانَ بَين هذَيْن مِمَّا لَم يُوجب عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعْذِيبا فِي الْآخِرَةِ.

  (هـ) وَفِيهِ «لَا يَحِلُّ لامْرأة أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ أكثَر من ثلاث» أَحَدَّتِ المرأة على زَوْجها تُحِدُّ، فَهِيَ مُحِدٌّ، وحَدَّتْ تَحُدُّ وتَحِدُّ فَهِيَ حَادٌّ: إِذَا حَزِنَتْ عَلَيْهِ، ولَبِسَت ثِياب الحُزْن، وتَركَت الزِّينَة.

  (هـ) وَفِيهِ «الحِدَّةُ تَعْتَري خِيَارَ أُمَّتِي» الحَدَّةُ كالنَّشَاط والسُّرْعَة فِي الْأُمُورِ والمَضَاء فيها،