النهاية في غريب الحديث والأثر،

ابن الأثير (المتوفى: 606 هـ)

(سأم)

صفحة 328 - الجزء 2

  مِنْ أجْل مَسْأَلَتِهِ» السُّؤَالُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْحَدِيثِ نوعَانِ: أحدُهُما مَا كَانَ عَلَى وجْهِ التَّبْيِين والتَّعلُّم ممَّا تَمَسُّ الحاجةُ إِلَيْهِ، فَهُوَ مُباَحٌ، أَوْ مندُوبٌ، أَوْ مأمورٌ بِهِ، وَالْآخَرُ مَا كانَ عَلَى طَريق التَّكلُّف والتعنُّت، فَهُوَ مكرُوه، ومَنْهىٌّ عَنْهُ. فكُلّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الوَجْه وَوَقَعَ السكوتُ عَنْ جَوَابه فَإِنَّمَا هُو رَدْع وزَجْر للسَّائل، وَإِنْ وقَعَ الجَوابُ عَنْهُ فَهُوَ عُقُوبَةٌ وتغليظٌ.

  وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَثْرة السُّؤَالِ» قِيلَ هُوَ مِنْ هَذَا. وَقِيلَ هُوَ سُؤَالُ النَّاسِ أمْوالَهُم مِنْ غَيْرِ حاجَة.

  (س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ كَرِه الْمَسَائِلَ وعابَها» أرادَ الْمَسَائِلَ الدَّقِيقة الَّتِي لَا يُحْتاج إِلَيْهَا.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ المُلاَعَنَة «لَّما سَأَلَهُ عَاصِمٌ عَنْ أمْرِ مَنْ يَجِدُ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَأَظْهَرَ النَّبِيُّ الكراهَة فِي ذَلِكَ» إِيثَارًا لسَتْر العَوْرة وَكَرَاهَةً لهْتك الحُرْمة. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُ السُّؤال والمساَئِل وذمّها في الحديث.

(سأم)

  (س) فِيهِ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَمُ حَتَّى تَسْأَمُوا» هَذَا مِثْل قَوْلِهِ «لَا يَملُّ حَتَّى تَمَلُّوا» وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ. والسَّآمَةُ: الْمَلَلُ وَالضَّجَرُ. يُقَالُ: سَئِمَ يَسْأَمُ سَأَماً وسَآمَةً، وسيَجئُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مُبينا فِي حَرْف الْمِيمِ.

  وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْع «زَوجي كلَيلِ تِهاَمة، لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ، وَلَا سَآمَة» أَيْ أَنَّهُ طَلْق مُعْتَدِل فِي خُلُوِّة مِنْ أَنْوَاعِ الأذَى والمكرُوه بالحرِّ وَالْبَرْدِ والضَّجَر: أَيْ لَا يضْجَرُ مِنِّى فيَملَّ صُحْبتي.

  وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ^ «إنَّ اليَهود دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ فَقَالُوا: السَّأْمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عائشةُ: عَلَيْكُمُ السَّأْمُ والذَّأْمُ واللَّعنةُ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مهْمُوزاً مِنَ السَّأْم، وَمَعْنَاهُ أَنَّكُمْ تَسْأَمُونَ ديَنكم. والمشهورُ فِيهِ تَرْك الهْمز، ويَعْنُون بِهِ الموتَ.

  وَسَيَجِيءُ فِي المُعْتَلِّ.