البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[تفسير سورة البقرة]

صفحة 126 - الجزء 1

  قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} المراد إبطال الفضل والثواب {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الذي يقصد بنفقته الرياء غير مثاب لأنه لم يقصد وجه الله فيستحق الثواب.

  ثم قال: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} والصفوان جمع صفوانة وهي الحجر الأملس {فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} وهو المطر العظيم الشديد القطر الواقع {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} والصلد من الحجارة ما صلب ومن الأرض ما لم ينبت تشبيهاً بالحجر الذي لا ينبت {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} يعني مما أنفقوا فعبر بالنفقة عن الكسب لأنهم قصدوا بها الكسب فضرب هذا مثلاً للمَنِّ في إبطال ثوابه ولصاحب المن والأذى في إبطال فضله.

  قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} بقوة اليقين والبصيرة في الدين وهو معنى الكلام ويحتمل أن يكون المعنى توطيناً لأنفسهم على الثواب على طاعة ربهم {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} وهو الموضع المرتفع من الأرض فـ {أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} خص الربوة لأن نبتها أحسن قال الشاعر:

  يا روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل

  والأكل بالضم الطعام لأنه من شأنه أن يؤكل، ومعنى ضعفين أي مثلين لأن ضعف الشيء مثله زائد عليه وضعفاه مثلاه زائد عليه.

  قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} وهو البستان {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} لأنهما من أنفس ما يكون {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وأنفسها ما كان ماؤها جارياً {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} قد يئس من سعي الشاب في كسبه وكان أضعف عملاً وأعظم حسرة {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} لأنه على