البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[تفسير سورة البقرة]

صفحة 128 - الجزء 1

  قوله تعالى: {.. لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني فقراء المهاجرين الذين منعوا أنفسهم⁣(⁣١) عن التضرب في المعاش خوف عدو الكفار {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي تصرفاً وتجارة {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} من التقنع والعفة القناعة {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} السيما العلامة وكذلك السمة والمراد بها الخشوع {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي إلحاحاً ولا كانوا يسألون غير إلحاف لأنهم كانوا أغنياء من التعفف وتقدير الكلام لا يسألون فيكون سؤالهم إلحاحاً.

  قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين # كانت معه أربعة دراهم فأنفقها على هذا الوجه.

  قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} يعني يأخذونه فعبّر عن الأخذ بالأكل لأن الأخذ إنما يراد بالأكل والربا: هو الزيادة من قولك ربا السويق إذا زاد وهي الزيادة على الدين لمكان الأجل {لَا يَقُومُونَ} أي يوم القيامة أي لا يقومون من قبورهم {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} يعني من الجنون وليس للشيطان فعل فيه وإنما هو من فعل الله ø يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه فينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من أعوانه الذي يصرعه به {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} عنى بهذا القول ثقيفاً لأنهم كانوا من أكثر العرب رباً فلما نهوا عنه قالوا كيف ننهى عن الربا وهو مثل البيع فحكى الله عنهم ثم أبطل ما ذكروه من التشبيه بالبيع فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} أي لا يعود إلى مثله ويرد ما أخذ.


(١) نخ: نفوسهم.