البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة المائدة]

صفحة 225 - الجزء 1

  ذاكراً لإحرامه وحكم الناسي في الجزاء حكم المتعمد {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} يريد أي مثل الصيد من النعم يلزم إيصاله إلى الكعبة وعنى بالكعبة الحرم لأنها فيه ولا يجوز أن يهدي في الجزاء ما لا يجوز في الأضحية من صغار النعم.

  {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} أي أنه يقوم المثل من النعم ويشترى بالقيمة طعام {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} يعني عدل الطعام صياماً وقيل ذلك فيمن قتل نعامة وجبت عليه البدنة جزاء عنها فإن لم يجدها أطعم مائة مسكين لكل مسكين نصف صاع فإن لم يجد الطعام صام عن كل مسكين يوماً ومن وجبت عليه البقرة ولم يجد البقرة أطعم ستين مسكيناً إذا لم يجدها فإن لم يقدر صام ستين يوماً وفي الشاة إطعام عشرة مساكين أو صيام عشرة أيام {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} يعني في التزام الكفارة ووجوب التوبة {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} يعني قبل نزول التحريم {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} يعني ومن عاد بعد التحريم فينتقم الله منه بالجزاء عاجلاً وبالعقوبة آجلاً.

  قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} يعني حوت الماء سواء كان ماء بحر أو نهر أو غيل أو بئر فصيده للمحرم والحلال في الحرم وفي الحل {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} يعني منفعة المسافر والمقيم، وهذه الآية نزلت في بني مدلج كانوا ينزلون بأسياف البحر فسألوا عما نضب منه الماء من السمك فنزلت الآية.

  قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} وفي تسميتها بالكعبة قولان أحدهما: إنما سميت بذلك لتربيعها والثاني: سميت بذلك لعلوها ونبوها لقولهم: قد كعبت المرأة إذا علا ونبا ثديها، وسميت الكعبة حرماً لتحريم الله تعالى أن يصاد صيدها أو يختلى خلاءها أو يعضد