البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 241 - الجزء 1

  نهاية له حتى يقطع الرسول بإظهار الآيات عن تبليغ الرسالة.

  وإنما يلزمه إظهار الآيات في موضعين أحدهما عند بعثه رسولاً ليكون مع استدعائه لهم دليلاً على صدقه، والثاني: أنه يسألها من يعلم الله تعالى منه أنه إن أظهرها له آمن به، وليس يجب إظهارها في غير هذين الموضعين.

  قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} يعني ما دب على الأرض من حيوان {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} يعني في الهواء جميعاً بين ما هو على الأرض فيها ومرتفع عنها {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} والأمم الجماعات والأجناس وليس يريد أمثالكم في التكليف كما جهل قوم اشتبه الظاهر عليهم وتعلقوا مع اشتباه الظاهر برواية أبي ذر قال: انتطحت شاتان عند النبي ÷ ثم قال: «يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا» قلت: لا، قال: «لكن الله يدري وسيقضي بينهما» قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله ÷ وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر منه علماً.

  لأنه إذا كان العقل سبباً للتكليف فإن عدمه موجب لارتفاع التكليف والمراد بقوله: امثالكم أي مخلوقة مثلكم لا تظلم ومرزوقة لا تحرم.

  ثم قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} يعني من أمور الدين إما مفصلاً يستغني عن التفسير أو مجملاً جعل إلى تفسيره سبيلاً {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ٣٨} أي يبعثون بعد الموت.

  فإن قيل: فإذا كانت غير مكلفة فلم تبعث يوم القيامة، قيل: ليس التكليف علة للبعث لأن الأطفال والمجانين يبعثون وإن كانوا في الدنيا غير مكلفين إنما يبعثهما ليعوض ما يستحق التعويض منهم بالآلام أو ظلم ثم يجعل ما يشاء منها تراباً وما يشاء دواب الجنة يتمتع المؤمنون بركوبها