البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 244 - الجزء 1

  قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} يعني لاختلافهم في الأرزاق والأخلاق والافتتان والابتلاء والاختبار، ويجوز أن يكون تكليف ما يشق على النفس مع قدرتها عليه {لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} وهذا قول الملأ من قريش في ضعفاء المؤمنين وفيما من الله تعالى به عليهم قولان أحدهما: أي ما تفضل الله عليهم من اللطف في إيمانهم، والثاني: ما ذكرهم في شكرهم على طاعتهم.

  قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} يعني ضعفاء المسلمين {فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} تكرمة لهم {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي أوجب الله {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} أي خطيئة.

  قوله تعالى: {... قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي الحق الذي بان له والمعجز الذي ظهر على يديه وهو القرآن {وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} أي وكذبتم بالبينة وتركتم {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} هو العذاب الذي أوعدوا به كما قال: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}⁣[الحج: ٤٧].

  {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أي في الثواب والعقاب وتمييز الحق من الباطل {يقض الْحَقَّ} وقرئ يقص الحق بالصاد غير معجمة من القصص وهو الإخبار به فأما القضاء فهو الحكم بالحق وإتمامه.

  قوله تعالى: {... وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} لأنه يقبض الأرواح فيه عن التصرف كما يقبضها بالموت، شعراً:

  إن بني الأدرة ليسوا من أحد ... ولا توفاهم قريش والعدد

  أي لا تقبضهم {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} أي ما كسبتم لأنه مستفاد بعمل الجارحة ومنه جوارح الطير لأنها كواسب بجوارحها وجرح الشهادة وهو الطعن فيها لأنها تكسب الإثم قال الأعشى: