البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 255 - الجزء 1

  قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} هؤلاء قوم من مشركي أهل مكة حلفوا بالله تعالى لرسوله ÷ لئن جاءتهم آية وهم المستهزون والآية التي أرادوها تحويل الصفا ذهباً والمروة فضة كما قال في موضع: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ٩٠ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ٩١ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ... إلى قوله: كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}⁣[الإسراء: ٩٣]، فأمر الله سبحانه وتعالى إليه حين أقسموا له أن يقول لهم: {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} وقيل: إنه لما نزل قوله في سورة الشعراء: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ٤} قال المؤمنون أنزلها عليهم ليؤمنوا فأنزل الله تعالى هذه الآية، وليس يجب على الله إجابتهم في اقتراحهم لا سيما إذا علم أنهم لا يؤمنون بها وإذا علم تعالى منهم الإيمان يجب عليه إجابة دعوة النبي لما يدعو.

  وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فهذا من الله سبحانه عقوبة لهم في الآخرة يقلبها في النار، وفي قوله أول مرة جاءتهم الآيات.

  فقال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} أي كفلاء والقراءة بضم القاف والباء ويجوز أن يكون المعنى قبيلة قبيلة وصفاً صفاً {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي بهذه الآيات {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أن يجبر عليه {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ١١١} أي يجهلون فيما يقترحونه من الآيات، والثاني: أنهم لو أجيبوا إلى ما اقترحوا لم يؤمنوا طوعاً.