البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 256 - الجزء 1

  قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} والجعل في هذا المكان بمعنى الحكم أي حكمنا للأنبياء بمعاداة الكفار فصار الكفار لهم أعداء فكأنه هو الذي جعل الكفار لهم أعداء من حيث حكم، وقوله: شياطين الإنس والجن وشياطين الإنس والجن مردتهم وكفارهم {يُوحِي} أي يوسوس ويشير فعبر عن الإشارة بالوحي كما قال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ١١}⁣[مريم]، و {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما زينوه لهم من الشبه وارتكاب المعاصي.

  قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} أي ما فعلوا زخرف القول غروراً أي أجبرهم.

  قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} يعني تميل إليه قلوبهم والإصغاء الميل قال الشاعر:

  ترى السفيه له عن كل مكرمة ... زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء

  وتقدير الكلام يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ليغروهم ولتصغ إليه أفئدة الذين لا يؤمنون.

  قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} أي هل يجوز لأحد أن يعدل عن حكم الله حتى أعدل عنه والفرق بين الحكم والحاكم أن الحكم هو الذي يكون أهلاً للحكم فلا يحكم إلا بحق والحاكم قد يكون من غير أهله فيحكم بغير حق فصار الحكم من صفات ذاته والحاكم من صفات فعله فكان الحكم أبلغ في المدح من الحاكم.

  ثم قال: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} وإنما سمي مفصلاً أي تفصيل آياته لتمييز معانيه فلا يشكك وتفصيل الحق من الباطل والحلال من الحرام.