البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأعراف

صفحة 283 - الجزء 1

  بعبادة غيرك فجعلوا عبادة الله تعالى فساداً عندهم، ويجوز ليفسدوا فيها أي استولوا على الأرض وتغلبوا ثم قال: {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ}.

  فإن قيل: فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤}⁣[النازعات]؟ قال: الجواب عنه أن فرعون كان يعبد كل ما استحسنه من الأصنام والبقر ولذلك أخرج السامري عجلاً جسداً فقال: هذا إلهكم وإله موسى، وقوم فرعون كانوا يعبدونه.

  {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لأنه علم أنه لا يقدر على قتل موسى إما لقوله وإما لما قد تصوره من أنه مصروف عن قتله فعدل إلى قتل الأبناء ليستأصل قوم موسى من بني إسرائيل فيضعف عن فرعون ويستحيي نساءهم أي يستبقيهن أحياء لضعفهن عن المنازعة وعجزهن عن المحاربة.

  قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ} وإنما قال لهم ذلك تسلية لهم من وعيد فرعون كما يقول من نالته شدة: استعنت بالله وفيه موعد لهم بالله تعالى سيعينهم على فرعون إن استعانوا به.

  ثم قال: {وَاصْبِرُوا} أي على ما أنتم عليه من الشدة طمعاً في ثواب الله ø وانتظار النصرة {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وإنما أعلمهم بذلك لما تحقق أن الله تعالى يورثهم أرض فرعون {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ١٢٨} فعاقبة الدنيا النصر وعاقبة الآخرة الأجر والثواب.

  قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} الأذى الذي كان من قبل الاستبعاد وقتل الأبناء والذي كان من بعد الوعيد بتجديد ذلك عليهم وهذا القول منهم على وجه الاستبطاء لوعد موسى {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} عسى في اللغة طمع وإشفاق وهي